إيوان مكة

مَوْطِنِي

إِنِّي وَإِنْ أَرْحَلْ لِأَيِّ مَكَانِي
نِسْيَانُ حَائِلَ لَيْسَ بِالْإِمْكَانِ

لَمْ تُنْسِنِي فِيهَا ضَبَابَةُ لُنْدُنٍ
وَحَضَارَةُ الْإِغْرِيقِ وَالرُّومَانِ

لَمْ تُنْسِنِي فِيهَا جَزِيرَةُ مَارْبِيَا
أَوْ جِسْرُ بَارِيسٍ وَنَهْرُ نِمَانِ

لَمْ تُنْسِنِي فِيهَا مَتَاحِفُ تُرْكِيَا
أَوْ نَاطِحَاتِ السُّحْبِ في التَّايْوَانِ

لَمْ تُنْسِنِي فِيهَا حَدَائِقُ زَامْبِيَا
وَفَنَادِقُ الْمَالْدِيفِ وَالْيُونَانِ

لَمْ تُنْسِنِي فِيهَا شَوَاطِئُ بُو ظَبِي
وَمَسَابِحُ التَّايْلَنْدِ فِي خَاوْسَانِ

لَمْ تُنْسِنِي فِيهَا مَسَارِحُ جُورْجِيَا
أَوْ سِينِمَا الْهُولْيُودِ وَالْيَابَانِ

أَوْ نِيلُ مِصْرٍ أَوْ جِبَالُ الْأَلْبِ أَوْ
غَابَاتُ كِينْيَا أَوْ كُهُوفُ عُمَانِ

لَمْ تُنْسِنِي في حَائِلٍ كُلُّ الدُّنَى
بِجِبَالِهَا وَالْبِيدِ وَالْوِدْيَانِ

هِيَ مَهْدُ أفْرَاحِي وَلَحْدُ مَوَاجِعِي
هِيَ سِدْرَتِي هِيَ كَوْثَرِي وَجِنَانِي

وَبِأَرْضِ نَجْدٍ لِي هَنُالِكَ خُلَّةٌ
يَا حَبَذَّا نَجْدٌ مَعَ الْخِلَّانِ

خِلَّانُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمُ وَلَا
يَشْكُو لَعَمْرِي دَوْرَةَ الْأَزْمَانِ

أُدْعَى وَأُرْعَى فِي دِيَارِهِمُ وَلِي
صَدْرُ الْمَجَالِسِ وَالْفُؤَادُ الْحَانِي

نِعْمَ الْكِرَامُ إِذَا نَزَلْتَ دِيَارَهُمْ
تَحْظَى بِأَطْيَبِ عِيشَةٍ وَأَمَانِ

الصَّادِقُونَ لِعَهْدِهِمْ إِنْ عَاهَدُوا
وَالْمُعْتِقُونَ النَّاسَ يَوْمَ رِهَانِ

الْمُعْتِقُونَ الْمُنْفِقُونَ لِمَالِهِمْ
وَالْمُطْلِقُونَ مَوَائِدَ الرَّحْمَنِ

مُتَطَوِّعُونَ إِذَا الْخٌطُوبُ تَكَالَبَتْ
وَمُسَارِعُونَ لِنَجْدَةِ الْحَيْرَانِ

مُتَفَرِّدُونَ بِرَأْبِهِمْ بَيْنَ الْوَرَى
مُتَجَنِّدُوَنَ لِنَجْدَةِ الْأَوْطَانِ

قَدْ جَرَّبُوا حُلْوَ الْحَيَاةِ وَمُرَّهَا
أَرْبَابُ مَلْحَمَةٍ وَأَهْلُ طِعَانِ

اللَّهُ خَصَّهُمُ بِحُسْنِ مَكَارِمٍ
وَعَزَائِمٍ ذَاعَتْ مَعَ الرُّكْبَانِ

شَاهَدْتُ فِي الدُّنْيَا عَجَائِبَ زُرْتُهَا
لَكِنْ كَنَجْدٍ لَمْ تَرَ الْعَيْنَانِ

مَا بَعْدَ نَجْدِ مِنْ بِلَادٍ فِي الثَّرَى
تُشْفِي غَلِيلِي أَوْ تُثِيرُ كَيَانِي

أَدْمَنْتُ عَذْبَ سُهُولِهَا وَسُيُولِهَا
وَبِأَهْلِهَا يَا كَمْ حَلَا إِدْمَانِي

وَعَلِقْتُ بِالْأَطْلَالِ فِيهَا وَالرُّبَى
إِنَّ التَّعَلُّقَ فِطْرَةٌ الْإِنْسَانِ

كَحَّلْتُ أَجْفَانِي بِإِثْمِدِ رَمْلِهَا
وَجَعَلْتُ نَسْمَتَهَا سِوَاكَ لِسَانِي

بَيْنَي وَنَجْدٍ صَبْوَةٌ وَمَوَدَّةٌ
أَبْدَيْتُهَا جَلَّتْ عَنِ الْكِتْمَانِ

فِيهَا قُلُوبُ الْعَاشِقِينَ أَسِيرَةٌ
بنَخِيلِهَا وَمَوَاقِعِ الْكُثْبَانِ

يَرْتَادُهَا مَنْ ضَاقَ ذِرْعًا بِالْهَوَى
وَشَكَا لَهِيبَ الْهَمِّ وَالْأَشْجَانِ

الْعَيْنُ فِيهَا تَرْتَوِي مِنْ رَوْضِهَا
وَمَرَاتِعِ الْآرَامِ وَالْغِزْلَانِ

وَالْمِسْكُ فِي أَطْرَافِهَا مُتَضَوِّعٌ
وَالشِّيحُ فِي أَرْجَاءِ كُلِّ مَكَانِ

وَكَسَى الرَّبِيعُ هِضَابَهَا وَتَزَيَّنَتْ
قِيعَانُهَا بِشَقَائِقِ النُّعْمَانِ

وَتَرَىَ الْحَمَامَ عَلَى التُّخُومِ مُحَلِّقًا
كَحَجِيجِ مَكَّةَ عِنْدَ رُكْنِ يَمَانِي

وَعَلَتْ طُيُورُ الْحُبِّ فِي عَرَصَاتِهَا
تَشْدُو جَمِيلَ الْعَزْفِ وَالْأَلْحَانِ

وَالْخَيْلُ تَعْدُو فِي الْسُّهُوبِ كَأَنَّهَا
إِعْصَارُ رِيحٍ هَمَّ بِالدَّوَرَانِ

وَالنُّوقُ تَرْعَى قَدْ بَدَتْ أَضْرَاعُهَا
كَدِلَاءِ آبَارٍ مِنَ الْأَلْبَانِ

وَاللَّيْلُ عَسْعَسَ لَا يُقَاوَمُ سِحْرُهُ
وَنُجُومُهُ لَمَعَتْ كَعِقْدِ جُمَانِ

وَالشَّايُّ مَطْبُوخٌ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا
رَغْوَاتُهُ زَبَدٌ عَلَى الشُطْآنِ

وَالصُّبِحُ حِينَ تَنَفَّسَتْ أَنْسَامُهُ
جَادَتْ بِأَلْطَفِ جِكْمَةٍ وَمَعَانِ

يَا نَجْدُ بِي عَطَشٌ إِلَيْكِ وَلَوْعَةٌ
وَلَدَيْكِ تُرْوَى غُلَّةُ الْعَطْشَانِ

فَهَوَاكِ كَمْ يُحْيِي شَبَابَ مَشَاعِرِي
وَيُعِيدُنِي لِذُؤَابَةِ الرَّيْعَانِ

وَيَهُزُنِي شَوْقٌ إِلَى أُمِّ الْقُرَى
دَارِ الْهُدَى وَالطُّهْرِ وَالْإِيْمَانِ

بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَتِينِ سَعَيْتُ لِي
سَبْعَا بِتَوْحِيدٍ مَعَ الشُّكْرَانِ

تَرْتَاحُ لِلْحَجَرِ الْكَرِيمِ أَنَامِلِي
وَبِمَاءِ زَمْزَمَ يَرْتَوِي شِرْيَانِي

وَأَطُوفُ مِنْ خَلْفِ الْحَطِيمِ مُهَلِّلًا
وَمُوَحِّداً لِلَّهِ فِي إِذْعَانِ

وَبِأَرْضِ طِيبَةَ كَمْ تَطِيبُ جَوَارِحِي
بِجِوَارِ طَهَ الْمُصْطَفَى الْعَدْنَانِي

وَالرُّوحُ مُولَعَةٌ تَشَبَّعَ عِرْقُهَا
مِنْ نَسْمَةِ الْوَادِيِّ فِي بَطْحَانِ

هَذِي بِلَادِي فَأْتِنِي بِنَظِيرِهَا
لَيْسَ الثُّرَيَّا وَالثَّرَى سِيَّانِ

إِنِّي سَعُودِيٌّ وَهَذَا مَوْطِنِي
أَفْدِيهِ بِالْأَرْوَاحٍ وَالْأَبْدَانِ

وَذَوِيَّ آلُ عَلِي الذِينَ بِهِمْ رَسَتْ
أُسُسُ الْبِلَادِ وَهِمَّةُ السُّلْطَانِ

فَأَدِمْ عَلَى وَطَنِي إِلَهِي أَمْنَهُ
فِي ظِلِّ قَائِدِ عَزِمِنَا سَلْمَانِ

د. مشعل بن ممدوح آل علي

شاعر - عضو مجلس الشورى السابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى