لقد أضحت الحاجة إلى استشراف المستقبل من الضروريات الملحة للمؤسسات التعليمية؛ ولا سيما أن المتغيرات متسارعة ومتزايدة بالإضافة إلى أن البيانات متضخمة والأحداث متداخلة ومتلاحقة كما أن التطلعات متزايدة وملحة.
فاستشراف المستقبل يمثل منهجًا لبناء رؤية مستقبل لإحداث التغيير في تلك المؤسسات؛ حيث يسهم في الارتقاء بالإبداع والابتكار في تطويرها؛ وذلك لتحقيق الأهداف، والمواءمة مع التحديات المستقبلية.
وهو عبارة عن جهد علمي منظم يرمي إلى صياغة مجموعة من التنبؤات المشروطة التي تشمل معالم المجتمع المحيط بالمؤسسات التعليمية عبر مدة زمنية عن طريق التركيز على المتغيرات التي يمكن تفسيرها بواسطة إصدار القرارات.
وتهدف عمليات استشراف المستقبل في المؤسسات التعليمية إلى توفير قاعدة معرفية تساعد القادة على التخطيط وصياغة الاستراتيجيات، بالإضافة لبناء وتفعيل التوجهات الاستراتيجية، ورسم الخطط التطويرية للعمل التربوي وطرح البدائل ومعالجة الأزمات ومواجهتها، واكتشاف المشكلات قبل وقوعها.
ونظرًا لحاجة المؤسسات التعليمية للانطلاق لرسم التوجهات المستقبلية يعتبر التفكير التصميمي أحد الأساليب التي تدعم حل المشكلات من خلال الفهم الأكبر لأصحاب المصلحة، وينطلق من خبرتهم كنقطة في تصميم الحل.
وفي ظل ما تمر به بيئة المؤسسات التعليمية من تعقيد وعدم يقين، والتي تسبب فيها استمرارية تغير الظروف وصعوبة التعرف على المشكلات بدقة فإن أهمية التفكير التصميمي تزداد، حيث يدعو إلى إعطاء فرصة للكشف عن حقائق المشكلة تدريجيًا مع حلول النموذج الأولى، والتي يمكن تحسينها أولًا بأول.
ويمكن للتفكير التصميمي أن يساعد صناع القرار في المؤسسات التعليمية للوصول لفهم أفضل القضايا التي تهم كل من له علاقة بتلك المؤسسات وصياغة السياسات والبرامج التي تلبي احتياجاتهم بشكل أكثر فاعلية.
ويعتبر التفكير التصميمي أسلوبًا إداريًا حديثًا يهدف إلى تطوير وتحقيق أهداف المؤسسات التعليمية، حيث يمكن استعماله كمقاربة علمية بقصد تحقيق التنمية المستدامة، وهو منهج للحل العملي والإبداعي لمشاكل او قضايا يراد بها أن تحقق نتائج مستقبلية أفضل، وبالتالي فهو شكل من أشكال التفكير المبني على الحل حيث يبدأ التفكير بالهدف أو ما يراد تحقيقه والوصول إليه بدلًا من البدء بمشكلة معينة، والأخذ بالحاضر والمستقبل في الاعتبار، وتفحص متغيرات المشكلة مع الحلول المطروحة.
وتنطوي عملية التفكير التصميمي على سبع مراحل، وهي بالتحديد: البحث والتصور ووضع نموذج مبدئ والاختيار والتنفيذ والتعلم، ومن خلال الخطوات السبع هذه يمكن تحديد المشكلات وطرح التساؤلات وابتداع الأفكار واختيار الإجابات الأفضل، وهذه الخطوات ليست خطية فيمكن أن تحدث معًا في نفس الوقت كما يمكن تكرارها.
ويمكن وصف التفكير التصميمي بأنه أسلوب عمل تعاوني وتكراري يهتم بمبادئ تطوير التنظيم والإدارة في المؤسسات التي تعمل بمبادئ التفكير التصميمي في عملياتها الإدارية بعقلية معينة تسعى جاهدة للوصول الى بيئة إدارية أكثر إبداعًا.
وفي ظل حرص وزارة التعليم بالمملكة العربية السعودية على تحقيق التميز على المستوى المحلي والعالمي لمؤسساتها التعليمية فلا بد للقيادات أن تمتلك البوصلة التي تهتدي بها الى طريق المستقبل الذي ترغبه كما عليها أن تدرك بأن الحاضر وحده لا يكفي لصناعة النجاح الدائم، وأن تمتلك رؤية واضحة للمستقبل لكي تحقق النجاح الآن ومستقبلًا.
فهل استشراف مستقبل المؤسسات التعليمية ضرورة أم ترف؟
* باحثة دكتوراة في الإدارة التربوية والتخطيط بجامعة أم القرى
مشرفة تربوية بإدارة تعليم جدة