قال صاحبي: لماذا قرر بايدن زيارة السعودية، وبماذا علل هذه الزيارة، ولمن كتب هذا المقال وما النتائج المتوقعة من هذه الزيارة، وما أهميتها، وما موقف السعودية من ذلك؟
العلاقات السعودية الأمريكية تحالف دائم واختلافات طارئة قد يكون هذا أصدق وصف لعلاقة الثمانية عقود التاريخية التي أسسها الملك عبد العزيز – رحمه الله- والرئيس روزفلت، ومنها انطلقت هذه العلاقة إلى فضائها الواسع لتصبح السعودية الحليف الأهم لواشنطن في المنطقة، وعلينا أن ننظر بواقعية للعلاقات بين الدول، فهي لا تسير على وتيرة واحدة من التوافق أو التنافر، وإنما تنتقل بين مد وجزر حسب المواقف والمصالح والتفاصيل التي لا يطلع عليها إلا الدوائر القريبة من صنّاع القرار.
بالإضافة إلى ما تحظى به القيادة السعودية من اهتمام وتقدير خاص من قبل المؤسسات السياسية والإدارات الأمريكية المختلفة لدورها القيادي ليس في مجال الطاقة والاقتصاد العالمي بل لأنها الدولة المنشودة في حل أزمات المنطقة والعالم، عطفًا على ما تتمتع به من ثقل سياسي واقتصادي وروحي وخبرة في التعامل مع مختلف الأزمات بنجاح لافت للنظر، وفي الوقت عينه تمتع السعودية بهوية سياسية قائمة على مرتكزات وثوابت جعلها محط أنظار واحترام القوى السياسية الدولية وخصوصًا عواصم صناعة القرار في العالم.
زيارة بايدن استثنائية ومختلفة عما سبقها من جميع زيارات رؤساء أمريكا السابقين، وهذه كانت إجابتي على إحدى القنوات عندما سألتني هل تأخرت زيارة بايدن للسعودية؟، فأجبتها أنها زيارة مختلفة في توقيتها، فهي ليست زيارة برتوكولية، بالنظر إلى ظروفها الدولية التي ماتزال الكثير من تداعياتها مجهولة لم يظهر منها إلا رأس جبل الجليد، وفي مضامينها التي سيكون عنوانها الأبرز الأمن والطاقة والعودة إلى الحلفاء المهمين في المنطقة، وهنا تتضح لنا أن أهمية الزيارة مرتبطة بالأحداث والتحولات الجيوسياسية، والدولة المنشودة، وليس للزيارة ذاتها.
النظام العالمي الجديد على وشك الظهور لقيادة العالم برأسين أو ثلاثة رؤوس، وهذا ما تسعى واشنطن لحصاره وتأخير ظهوره، ومن ناحية أخرى الدول الخليجية اختلفت في كل شيء؛ سياسات خارجية مختلفة عما عهده بايدن خلال الخمسة عقود التي قضاها في دهاليز السياسة الأمريكية، سياسة سعودية خارجية أكثر ديناميكية ورشاقة، زعماء خليجيون مختلفون عما قابله أسلافه. فالقيادات الخليجية شابة تمتلك رؤيتها العصرية في التعامل مع متغيرات الظروف بطريقة تناسب التحولات الجيوسياسية الدولية.
تحتم هذه المتغيرات أن يأتي بايدن للمنطقة بعد أن راجع عقائد واشنطن وطورها في التعامل مع حلفائها أو أصدقائها العرب؛ عقائد مختلفة عما يؤمن به الديموقراطيون من جهة ومن جهة أخرى تعاملًا مختلفًا من أمريكا بجميع مؤسساتها باستبدال طريقتها في تعاملها بالوصفة السحرية التي تنسب لأحد أبنائها -جوزف ناي-، فالقوة الناعمة تحقق مالا تحققه القوة الصلبة، فالطرف الآخر يفعل ما يفعله برضاه وقناعته، لتتحول إلى أمريكا القائد والرائد، وليس المهيمن الذي بدأ ينحسر نفوذه وهيمنته.
الرئيس الأمريكي بايدن سيواجه بموقف عربي (تسع دول) موحد ومتماسك لم تعرفه واشنطن من قبل، فالزعماء العرب متفقون على التحديات التي تهدد دولهم، وأكثر دقة على تحديد طرق مواجهتها. باختصار العرب الذين سيلتقيهم بايدن في جده أكثر صراحة وصرامة وتمسكًا من أي وقت مضى في تحديد مطالبهم من واشنطن، وماذا سيقدمون لها.
باختصار شديد: سيسعى بايدن لتهدئة مخاوف الدول العربية وإسرائيل من إحياء الاتفاق النووي، وعودة (الحلفاء العرب) لجانب واشنطن في صراعها مع الصين، وروسيا، بالإضافة إلى طلب ضخ المزيد من النفط، وربما تحويل عقود الغاز من الشرق إلى الغرب، وأخيرًا إصلاح الخلل الطارئ على علاقات واشنطن/ الرياض.
وعلى الضفة الأخرى خليجيًا/عربيًا ستحضر ملفات الطاقة، والأمن، والمشتريات العسكرية، وأزمات المنطقة وعلى رأسها اليمن، واستقرار العراق ووحدة سوريا وليبيا، وأمن السودان والمشاركة الحقيقية بالأصالة عن نفسها في مفاوضات إيران النووية وبرنامجها الصاروخي، ولكن هذه المرة ستشترط الدول العربية التسع أن تحل الأفعال محل الأقوال.
أخيرًا لمن وأين ولماذا كتب بايدن مقالته؟، اعتقد أن هذه المقالة توصف بأنها ثلاثة في واحد، فهي موجهة للداخل الأمريكي وعلى وجه الخصوص أتباعه من الديمقراطيين على اختلاف مسمياتهم وأهدافهم، وأيضًا من أجل طمأنة الحلفاء في أوروبا بعد أن لم تحقق زيارات مسؤوليهم للرياض غاياتها، والثالث التودد للرياض بالعلاقة التاريخية، والمكانة الاستراتيجية التي تتمتع بها، ولذا اختار الرئيس بايدن الصحيفة المقربة من حزبه، والأكثر انحيازًا ضد السعودية ليوجه من خلالها رسالته.
خلاصة القول هذه الزيارة قد تعيد العلاقة السعودية/ الخليجية الأمريكية إلى مسارها الطبيعي، أو تقترب منه؛ فالأحداث الكثيرة ربما جعلت بادين أكثر واقعية في التعامل مع السياسية الخارجية الأمريكية. وقد نلمس نتائجها مبكرًا مثل رفع مبيعات السلاح، والأزمة في اليمن، وربما صياغة ميثاق استراتيجي يحافظ على مسيرة العلاقات التاريخية بين البلدين، وينقلها لفضاء أرحب.
قلت لصاحبي:
العلاقات الجيدة ترمم نفسها بنفسها.