بعد انتصار الحلفاء على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، قال رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل جملته المشهورة: «ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة»، لتصبح تلك المقولة نظرية سياسية يكاد يتفق عليها الجميع؛ ورغم أنني لستُ سياسيًا ولا مختصًا في علوم السياسة إلا أنني أعتقد أن مقولة تشرشل يقصد بها مصالح بلاده العليا التي تحتم على جميع الساسة أن يعملوا من أجلها حتى وإن كانوا مختلفين فيما بينهم أو مختلفين مع الدول التي تملك حق التحكم في مصالح واحتياجات وطنهم. إلا أنني أختلف مع هذه المقولة من حيث صعوبة تعميمها على جميع الدول وإلا لتجرد الجميع من إنسانيته وطغت عليهم الأنانية وحب الذات، وإذا كان الأمر مقبولًا في المجتمعات الغربية المتفككة، إلا أن الدول العربية والإسلامية تربطها أواصر الدين والأخوة، ويفترض أن تقوم علاقاتها على الأخوة والمحبة وحسن الجوار، وليست فقط المصالح المادية هي التي تتحكم في علاقاتها حتى وإن حدث اختلاف أو خلاف بين بعض الدول.
وحتى الجزء الأخير من العبارة الذي يقول فيه: بأن هناك مصالح دائمة؛ أعتقد أنها جزئية غير دقيقة فحتى المصالح لن تكون دائمة، بل ربما تتغيَّر من زمن لآخر، فلو كانت مصلحة دولة مع أخرى قائمة على استيراد سلعة أو منتج معين فلا يعني ذلك أن يكون الوضع أبديًا؛ حيث إن الدولة التي تستورد تلك السلعة أو المنتج لو وجدت دولة أخرى تستورد منها بسعر أقل سوف تنتهي العلاقة بين الدولتين بناء على مقولة تشرشل؛ ولذلك أعتقد أن الكثير من الدول ومنها المملكة العربية السعودية لم تتعامل من خلال تلك المقولة خلال عقود من الزمن، بل تعاملت مع الجميع من خلال مقولة الإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه ورضي الله عنه- وأرضاه بأن (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق). لكن وبكل أسف أن جميع الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لا تؤمن إلا بمقولة تشرشل وحتى مع تلك المقولة كانت تتعامل مع الدول الأخرى بكثير من الفوقية، وتمارس معهم سياسة الإقصاء، وإن لم تكن معي فأنت ضدي.
ولذلك ومع بداية زيارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للمملكة والذي ذكر أن الهدف من زيارته للمملكة العربية السعودية يتمثل في تعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين كما أضاف أن سبب زيارته إلى المملكة أكبر من مجرد مراعاة المصالح الأميركية، يجب أن تدرك الإدارة الأمريكية أن سياسة الهيمنة والابتزاز والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومحاولة التدخل في سياساتها وأنظمتها أو تحديد العلاقات فيما بين الدول وقانون إن لم تكن معي؛ فأنت ضدي كل هذه الأوراق أصبحت محروقة وعفى عليها الزمن، ولم تعد أدوات ضغط في زمن الشراكة بين الدول والتخطيط الأفضل لمستقبل البشرية كما أن حرية العلاقة بين الدول متاحة للجميع طالما هناك مصالح مشتركة بين تلك الدول بعيدًا عن علاقة الإدارة الأمريكية ورضاها عن تلك الدول من عدمه.