نجح حج هذا العام 1443هـ بفضل الله ثم بفضل الجهود المباركة والتخطيط المتقن، وتذليل الصعاب، وتسخير الإمكانيات البشرية والمادية لهذا الموسم العظيم، موسم اشترك للعمل فيه منظومة متكاملة من جميع الجهات الحكومية والأهلية بإشراف ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله-.
نعم هناك تطور هائل في منظومة الحج (ولك أن تقارن بين حج الماضي والحاضر لتعلم كيف كان الحج قبل توحيد المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- حين كان السلب والنهب والجوع والخوف عنوانًا، وكان الحج مغامرة خطيرة وكيف أصبح حاله الآن)، وهناك استخدام لأحدث التقنيات، وهناك تخطيط وإشراف وقيادة وتسخير للإمكانات، ولكن هناك شيئًا هامًا ونادرًا بل وحصريًا للحج بالسعودية لن تجده بأي مكان ألا وهو استصحاب النية واحتساب الأجر في خدمة ضيوف الرحمن الأمر الذي جعلك ترى التفاني والإخلاص في أداء الأعمال منقطع النظير وبشاشة محيا ورحابة صدر، ونفوس طيبة أكبر وأرقى من كل معايير الأداء الوظيفي.
وفي منظر لا يمكن أن يحدث إلا في الحج قدَّم عسكري ماءً لحاج؛ فقال الحاج: سقاك الله من أنهار الجنة؛ فبكى العسكري واحتضن الحاج، وقبَّل رأسه، وهو يقول: اللهم آمين ثم بكى الحاج واحتضن العسكري، وأخذا يدعيان الله.
هذا المنظر يختصر لك العلاقة بين الاثنين، ويرسم لوحة جمالية لا يمكن أن تتكرر إلا بالحج لأنه الركن الخامس من أركان الإسلام فلا متاجرة ولا دعايات سياسية أو مذهبية وليس فيه بدعة ولا شرك والجميع يسعى لنيل رضى الله بخدمة ضيوفه، وهو شرف مَنّ الله به على هذه البلاد.
وهناك صور كثيرة جميلة ولوحات رائعة؛ فهذا الحاج المصري الذي عرض عليه الشاب السعودي عبوة الماء؛ فقال له: أريد كأسة شاي بعفوية؛ وكأنه يطلب من ابنه أو أخيه؛ فرد الشاب السعودي بقوله: أحلى كأسة شاي لأحلى حاج فتعالت الضحكات.
ونعرج على قاطرة سيارات الإسعاف التي تنقل الحجاج الذين اضطرهم المرض أن يرقدوا على الأسرة البيضاء لمشعر عرفات ثم لمشعري مزدلفة ومنى ليؤدوا مناسك حجهم، وعشرات العمليات الطبية التي تجريها الجهات الصحية لحجاج بيت الله الحرام مجانًا، ومنها العملية القلبية لرئيس بعثة الحج الإيرانية، وهو مسؤول حكومي لدولة لا يربطها علاقات دبلوماسية مع السعودية بل تناصبها العداء، وتدعم جماعة الحوثي الإرهابية التي تطلق الصواريخ الإيرانية على المدن السعودية؛ لتثبت أن الحج والحجاج عند السعودية فوق كل الاعتبارات.
0