“الحسد أعلى درجات الاحترام”
يحكي شوبنهاور بقعة ضوء في مساحة شاسعة من الظلام وعلى غير عادته أو ربما إحسان ظن بمفاهيمنا قبل أن تكون منطلق لما يقول.
نرى في ربط الحسد بالاحترام تجسيد لرؤية جديدة للإعجاب ومعنى أخر من الإكبار، وبالتالي ربما ينبغي على المحسود شكر حاسده والاحتفاء بتلك الطبقة التي أجهدت نفسها وأرهقت أعمارها وهدرت مدخراتها في سبيل رفع شأن من وقع عليه الاختيار.
حين قرر الفلاسفة أن “الحسد أقوى أسباب التعاسة” كان ذلك بناء على ما يقتضيه حالة الهدم التي يتبناها المرء في نفسه والانقطاع في توزيع الأرزاق وتقرير المصائر وتحديد المستحق من غيره، وهذا الجهد كله بما يأخذه من وقت وطاقة ليس له قيمة، ولن يقدم أو يؤخر، وجميع ما سبق هو من قبيل العبث الذي لا طائل منه، فتأخذك النتيجة تلك إلى بؤرة الفَتّ فيما تملك والحزن على ما فات والحرمان من الرضا والخوف من القابل، ويتأكد جدارتك بالتعاسة وضلوعك في الشقاء كأول الرواد وأشجع القواد.
نعود لما بدأناه، وحيث أننا بين حاسد ومحسود وجب أن نعود لشوبنهاور في تصحيح العلاقة بينهم وتمرير البياض في كالح السواد، وقبل أن تشفق على حاسدك أو تعلن عداوته وجب أن تدعو له وتكبره، وما بلغ به ذلك إلا احترامه لما تملك وتعليته لما تحوز، فوجب عليك اشراكه في الدعاء ووصل الدعاء بالثناء، ولا تدري ربما تكون نقطة تحول في سير ذلك الحسد إلى غبطة وذلك النقص إلى كمال.
في كل حسن من جنسه جمال، وجمال القلب ونقاء الروح في مباعدة مطلقة عن ذلك الشعور، وقيمتها في انعدام ذلك الخلق ولهذا يقول جلال الدين الرومي “ما أسعده ذلك الذي لا يكون الحسد رفيقا له”.
نتفق أن الحسد ضعف ونقيصة وعناء بلا خصيصة، ولكن سيبقى من أعمال القلوب في أصله وكثير من الأحكام المطلقة في بابه غير دقيقة، ومن المجحف نطق الحكم في أمر لم يظهر ثبوته، وقد نجحف أكثر في توجيه السلوكيات وردود الأفعال بما يتوافق مع أثبات الحكم فيصبح الدفاع غير حقيقٍ وأن تحقق فربما من باب “غير الوجيه”.
من المؤسف سرد مظلوميات الضحايا وكأن هذا العالم ليس له عمل سواهم، ولا يزالون يتباكون من ذلك الوحش وهذا يقرره بطريق أو باخر شعور بالمحورية والعيش تحت طائل ذلك الشعور، ولن ننكره على الجملة، ولكن أن يبقى محل النزاع في كل عمل وسبب تحيل له سلوك الآخرين فهذا قد يجعلك ضحية، ولكن بطريق مختلف.
نعم ننأى بأنفسنا عنه وندعوا الله في طهارة القلب وصفاء الطوية وحسن الأثر، ونحسن الظن بقدر ما ننتظره من الآخر وحينها لن تعوّل كثيراً عليه في نزف الدموع.
ختاماً….. تصالح مع محيطك ولا تتهم أحداً في نواياه، ولن يأخذ منك الحاسد إلا ما تقرر سلفاً……… فلا تبتئس.