المقالات

ضريبة النصّ

حين أخبرتُه عن رغبتي في أن أكون كاتبًا، واساني بعينيه، وصافحتني كلماته: “ستكون بين نص ونص، نصّ تكتبه، ونص يكتبك”
‏الآن أعرف كيف يمكن أن يكتبني نصّ، كيف يصبح حارقًا تشبثي برغبة الكتابة دون القدرة على صياغة شعوري، لن يشكل الأمر فرقًا حينها بين يدٍ تمسك بقلمٍ أو جمرة.!
خارج هذا الصراع الذي يكسوه الهدوء؛ أمارس ثباتي الانفعاليّ بثقة -مفضوحة كانت أو لا- وثمة من يماري هذا الثبات -الذي أحاوله- باقتحام المساحة الشخصية التي لن يحجبه عنها تجهم الملامح أو صراحة النهي، وهذا ما يعيد للخاطر عبارة “لم لا تتركوا لي ما تبقى منّي؟”
فجأة؛ يتواطأ المتغير الداخلي والخارجي في نيّة ظاهرةٍ لحمايَة بياض السطر الأول، وينالُ الإجهاد بكل أنواعه من حوافز الذهن ومسالك الوصف، حتّى كأني أقف في محضرِ دفع ضريبة مؤجّلة لكلّ سطرٍ نالتهُ ألوان الكتابة، فسوّدت بياضه، كأنما هي جريمَةُ نادى بياضها بالقَصاصِ الرادع، ثم يعدي هذا السوء في تقدير الأمر من حولي؛ لأجد نفسي مدانًا في نظرات العتب أو جهالة العطف، ومجاملة المواساة.
حقًا؛ ليس من السّهل أن أستمع للكثير ثم لا أكتفي بكتابة القليل بل أنني في أحيانٍ كثيرةٍ لا أكتب حرفًا واحدًا ولو من قبيل تعبير أحدهم عن قلقِه من كلّ شيء تجاه كلّ شيء!
بل حتّى حين أفكر فيما يحتاج الكاتُب أن يبذله للتعايش مع مساره الإبداعي، بات من المهمّ عليّ أن أصطحب سؤالاً حول هذا النسق في مجامع الثقافة ووسائل التواصل، وكنتُ أقلق أحيانًا من أن قلق السعي إلى الكتابَة سيحجب انطباعي عن العلاقات المثالية، ففي ظلّ هذا القلق؛ ليست هناك أوقات لا تتم مقاطعتها مهما كانت مهمّة، ولن تكون هناك أحاديث أستمع إليها حتى تنتهي دون أن أستأذن لتدوينِ فكرةٍ عابرَة أثناءها، ومع مرة وأخرى أصبح من الطبيعي أن أعتذر دون تفكير لمن أمامي؛ كأنّ ما أفعلُه هو تجاوزُ على هذه الصورة النمطية للذوق والأدب حتى وإن كان للكتابة التي تصنف ضمن الأدب!
ارتسم لناظريّ بعدُ ألا طريق يخلو من مشقّة، لكنّ شعور الامتنان للتقدير، والتفهّم، ولذة الإنجاز؛ تضمد ما انطوى ليصبح ضمن ضريبة النص.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button