المقالات

الذاهب مسرور والعائد مولود

الحج شعيرة عظيمة؛ فقد ورد أن ما من نبي عليهم الصلاة والسلام إلا وقد حج البيت وللحج فضل عظيم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ حَجَّ، فلَمْ يَرْفُثْ، وَلم يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدْتُهُ أُمُّهُ» وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: العمْرة إلى العمْرة كفّارة لما بينهما، والحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة، وبه أيام مباركات عشر ذي الحجة ويوم عرفة اليوم العظيم الذي يباهي فيه الله -عز وجل- الملائكة بأهل عرفاتٍ، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثًا غبرًا، ما أعظم هذه الأيام وهذه الشعيرة المباركة التي يتساوى فيها الجميع بلباسهم الأبيض، وكلهم قادمون إلى ربهم وخالقهم شعثًا غبرًا طالبين مغفرته ورحمته وجنته وإنّ الحجّ مدرسة، رائعة الأسرار.

هنا بمكة كانت تشد الرحال للحج ويعود الناس ليحكوا قصصهم، وتروى فرحلات الحج بين الماضي والحاضر عندما تقرأها، وتسمع عنها ابتداء بأعظم حجة “حجة الوداع” للمصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حتى تاريخنا هذا تجد المشقة وصعوبة الوصول؛ فقد كان الحج الركن المشروط بمن استطاع إليه سبيلًا بالمال والعتاد والقدرة البدنية وبحمد الله وجهود هذه الدولة العظيمة المباركة ساهمت لتيسيره وتسهيله على الجميع.

وردت العديد من القصص عن رحلات الحج قديمًا رواها المفكرون والرحالة العرب والجواسيس الذين قدموا للاستطلاع، وسنتطرق لبعض منهم ابتداء بالرحالة المشهور ابن بطوطة الذي حج في عام ٧٢٦هـ ومؤلف تفسير المنار رشيد رضى الذي قدم للحج عام ١٣٣٤هـ ثم قدم مرة أخرى في عام ١٣٤٤هـ كما أظهر رشيد إعجابه بالملك عبد العزيز آل سعود، وقال: “إنه ما وُجِد في بلاد العرب بعد صدر الإسلام مَن يقدر على حفظ الأمن في الحجاز ونجد مثل السلطان” والإدريسي وغيره ممن وثقوا تفاصيل رحلات الحج؛ فقد كان الحج قديمًا مليئًا بالصعاب وقطاع الطرق الذين يرهبون الحجاج ويأخذون أموالهم، وقد يصل بهم إلى قتلهم فقد كان يسافر الحجاج ومعهم كتائب أمنية أو في مجموعات كبيرة لحمايتهم ولخطورة الطريق، وصعوبة الوصول، وقد ورد بعدة قصص وقوع العديد من الفتن واضطراب الأمن في الحرم المكي وإصابة العديد من الحجاج، ومقتل العديد من المدنيين والعسكريين وبخلاف مخاطر الطريق والعطش والجوع قد يواجه الحاج مخاطر أخرى في طريقهم كالسيول والعواصف؛ فقيل قديمًا للذاهب للحج “الذاهب مفقود والعائد مولود”.

ومع بداية حكم المؤسس -طيب الله ثراه- كان من أولوياته تحقيق الأمن والأمان للحجاج؛ فقد اجتمع بشيوخ القبائل واشترط عليهم أن لا يصاب أي حاج بمكروه أثناء مروره بمناطقهم، ومن ذلك اليوم حتى اليوم والخدمات للحجاج في تطور فجميع ملوك المملكة -رحمهم الله- كانوا يسعون جاهدين أن يتم الحج بأسهل الطرق وأيسرها، وفي عصرنا الحالي سنتطرق لعدة مشاريع جبارة:
⁃ الطريق إلى مكة، والذي طبق في عدة دول ليصل الحاج بكل سهولة من بلده.
⁃ مشروع الجمرات الذي يتسع لنصف مليون حاج في الساعة.
⁃ مشروع خيام منى المطورة الذي روعي فيها الجمال والأمن والسلامة وانسيابية الحركة.
⁃ تهيئة جبل الرحمة وعرفات.
⁃ تهيئة جميع المشاعر المقدسة، وتوفير رذاذ المياه بأماكن عديدة؛ لتخفيف حرارة الشمس.
⁃ مشروع الملك عبدالله -رحمه الله- لسقيا زمزم، وتوفير مشارب المياه في جميع المشاعر المقدسة.
⁃ أكبر ممشى من عرفة إلى منى بطول ٢٥ كم مجهز بكافة التجهيزات.
⁃ قطار الحرمين وقطار المشاعر المقدسة.
⁃ توسعة المسجد النبوي الشريف.
⁃ توسعة الدولة السعودية الثالثة للحرم المكي، وتبلغ مساحة التوسعة الإجمالية نحو 1.470 مليون متر مربع، وتتسع لـ٣ ملايين مصلي، وتتيح الطواف لـ107 آلاف طائف كل ساعة.
⁃ ويوجد بالحرم المكي أكبر محطتي تبريد بقدرة تصل لـ١٢٠ ألف طن تبريد ونقاوة الهواء ١٠٠٪.
⁃ الخدمات الإلكترونية المتطورة.
⁃ مشروع ترجمة خطبة عرفة لـ١٤ لغة استفاد منها أكثر من ٢٠٠ مليون مستمع.
⁃ التعداد يطول؛ فالخدمات المقدمة كبيرة جدًا، وكل قطاع تميز بمبادرات عديدة.

ويولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -أيده الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- الاهتمام الدائم على مدار العام فقد كان من أهم ركائز رؤية ٢٠٣٠ العُمق العربي والإسلامي، وإطلاق عدة برامج منها برنامج خدمة ضيوف الرحمن؛ بالإضافة لعدة هيئات منها الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة،لتسخير الطاقات وكافة الإمكانيات لخدمة ضيوف الرحمن لنصل لخدمة ٣٠ مليون معتمر -بإذن الله- وإثراء الرحلة الدينية، والتجربة الثقافية وعكس الصورة المشرقة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين، جهود عظيمة تقدم من كافة القطاعات الأمنية والحكومية لمتابعة كل ما يخص شؤون الحجاج لتوفير أرقى معايير الجودة؛ ليصبح الذاهب للحج مسرور والعائد منه مولود.

Related Articles

One Comment

  1. ماشاءالله تبارك الله.
    مزيدًا من التقدم والنجاح. مقال جميل ورائع

    وفقك الله إلى كل خير 🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button