المقالات

بالقمة #السعودية الأمريكية .. القوة الناعمة في فنجال القهوة السعودية

في عام 1990 قام “جوزيف ناي Joseph Nye” أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي بابتكار المصطلح الذي بات حينها مصدرًا من المصادر الرئيسية لتطوير السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهذا المصطلح هو (القوة الناعمة) الذي لم ينحصر تأثيره على الوسط الأكاديمي الإعلامي والسياسي فقط بل تعدى ذلك ليصل إلى أروقة وزارات الإعلام وأرفف خططها الاستراتيجية.

إن مفهوم القوة الناعمة الذي يعني: (القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلًا من الإرغام أو دفع الأموال) يرتكز على عدة مصادر لهذه القوة، ومن أهم تلك المصادر (ثقافة البلد الجذابة للآخرين).

وفي وقت سابق من هذا العام 2022 اعلنت وزارة الثقافة السعودية تسميتها لهذا العام بعام القهوة السعودية باعتبارها عنصرًا مهمًا من عناصر ثقافتنا السعودية الغنية، ليس لمجرد كونها مشروبًا طيبًا يشاركنا في جميع لحظات حياتنا، بل لأنها تمتلك دلالات عميقة على الكرم والضيافة، والتنوع الثقافي، والخصوصية الفريدة للثقافة السعودية، والتأكيد على ارتباط القهوة وثقافتها بالهوية السعودية.

ومع انعقاد قمة جدة للأمن والتنمية، والتي كانت قمة سعودية أمريكية من جهة وسعودية خليجية عربية أمريكية من جهة أخرى، يمكننا أن نقرأ المشهد الإعلامي من زاوية الدور الاتصالي للعلاقات العامة لإبراز الهوية وصناعة الصورة الذهنية عبر استخدام القوة الناعمة، وذلك في الاتصال الجماهيري الدولي الذي كان بحضور الوسائل الإعلامية العالمية، فأما دور العلاقات العامة في إبراز الهوية السعودية كأداة من أدوات القوة الناعمة فتمثل في المراسم التي عملت على إظهار الثقافة السعودية المضيافة عند إكرام الضيف بالقهوة السعودية، في تجسيد للثقافة الجذابة للآخرين من خلال مراسم القهوة السعودية، ما بين الدلال الذهبية، وحرص المضيف على خدمة الضيف، وحضور القهوة أول اللقاء تعبيرًا على أهميتها في الثقافة السعودية، وانتشار عبقها الجميل الذي يرسم في الذهن العُمق الحضاري للهوية السعودية، لتصبح القوة الناعمة في فنجال القهوة السعودية، ولا يمكن إغفال الطعام والشراب من قاموس القوة الناعمة، ففي عام 2018 عقد مؤتمر عن القوة الناعمة الهندية في نيودلهي أبان فيه نائب الرئيس الهندي حينها عن الكيفية التي غير بها المطبخ الهندي نظرة العالم للهند، وأوضح بأن الأكل الهندي يعود له الفضل في وضع الهند على خارطة العالم على حد تعبيره، والحقيقة أن وزارة الثقافة السعودية لم تكن في معزل عن هذا الحقل المهم عندما أنشئت (هيئة فنون الطهي) التابعة لها.

وأما الدور الاتصالي للعلاقات العامة في صناعة الصورة الذهنية عبر استخدام القوة الناعمة في القمة السعودية الأمريكية؛ فيتمثل جزء منه في تكوين الصورة الذهنية عن المملكة العربية السعودية من خلال مصادر متعددة يمكن أن تصنف بأنها من مصادر القوة الناعمة السعودية، ومنها الحرص على إبراز الهوية التي تصنف على أنها ثقافة البلد الجذابة للآخرين للحصول على تقييم عام عن البلد يكون من مكوناته مشاعر احترام وتقدير نابع من تقدير البلد لذاته عبر تقديره لثقافته التي حرص على إبرازها في مثل هذا الحدث المهم، وهذا التقييم المشاعري المتكون لدى المتلقي عن البلد هو بعينه (الصورة الذهنية)، والتي تأطرت بالإطار الثقافي، وأخذت البُعد الوجداني، وانطلقت من العامل المؤثر في تكوينها المصنف بالعامل الإعلامي الذي يتمثل في التغطية الإعلامية وحجم الاهتمام الذي أولته وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية لهذه القمة السعودية الخليجية العربية الأمريكية في مدينة جدة، ومن ذلك أيضًا ما عكسه صورة الوزراء السعوديين الغالب عليهم عمر الشباب من صورة ذهنية مشرقة ومشرفة عن المملكة العربية السعودية من حيث كونها مملكة شابة قوية في ذاتها وسياستها، من خلال أعمار هؤلاء الوزراء وقدراتهم السياسية والإدارية في هذه الأعمار، ويعكس أيضًا أننا مملكة شابة قوية في شعبها الذي تشير الإحصاءات إلى أن نسبة الشباب الذين هم أقل من ٣٤ سنة تبلغ 67% من الشعب السعودي، وقد أولتهم الدولة للاهتمام عبر برامج التمكين والتحفيز في رؤية 2030، وهذه النسبة للشباب تعكس حيوية وتطور في كافة الأصعدة، المدنية بمختلف قطاعاتها، والعسكرية أيضًا، فالسكان الأصغر سنًا يشكلون قوة عاملة كبرى في المستقبل؛ بالإضافة إلى أن المستهلكين الشباب يزيدون من فرص النمو الاقتصادي والابتكار، وهذا بحد ذاته صورة ذهنية مشرقة تقدم للعالم عن قلب العالم الإسلامي والعربي المملكة العربية السعودية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى