تعجبت ولا زلت أتعجب وبشدة في موضوع اجتماعي هام له أبعاد سلبية وهو أخذ الدية المبالغ فيها جداً لحد يفوق الوصف الممكن، ويتجاوز الإمكانيات المادية المتاحة، ويرهق الفكر والنفس معاً للمعنيين في هذا الشأن تحديداً في سبيل إيجاد المبلغ المطلوب؛ من أجل إنقاذ القاتل من تنفيذ حكم القصاص فيه..! فقد ذكرني بهذا الأمر أحد الأصدقاء بعد إرساله مقطع فيديو لمطالبات بالدية تكاد تكون تعجيزية فغير المبلغ والذي يصل لعشرات الملايين هناك مطالب اخرى من وظائف مرموقة، وبيوت، وسيارات فارهة، وغيره وحتى وإن كان هذا المقطع قديماً فالمطالبات وخاصة المادية منها مازالت قائمة حتى الوقت الحاضر بل قد تتجاوز المبلغ المرفق في المقطع. مع العلم بأن الدولة_ وفقها الله- قد سعت وبقوة في حل هذه الظاهرة المورقة ولكن حتى الآن لا حياة لمن تنادي وكأن المسألة أصبحت مسألة بيع قصاص ليس إلا.
وقد يكون لهذه الظاهرة وللأسف أفراد خلف هذه الوقائع يؤثرون بطريقة مباشرة على أهل الدم في مجريات سير القضية لا نعلمهم نحن وقد يأتون على صورة ناصحين، أوحتى منتفعين من خلال الإيعاز بمطالبات مادية كبيرة فلا يعقل أن ينصرف أهل الميت بتفكيرهم ويكون شغلهم الشاغل كيفية التكسب من وراء هذه المصيبة ! فيكفي فاجعتهم بفقيدهم. نعم لا يوجد في الشرع الإسلامي ما يمنع من تجاوز مبلغ الدية المتعارف عليه ولكن ليس بهذه الصورة المكلفة أبداً وأيضاً ليس بتدخل أطراف أخرى. يقول الأستاذ محمد الوافي أحد المتابعين لهذه القضية الاجتماعية من منظور شخصي بحت وفي تحليل منطقي لها: “المشكلة تكمن في ضعف الوازع الديني، وأيضاً ثقافة مجتمع، وكثرة الوسطاء وانفعالاتهم وعدم تحكم البعض في أقواله وأفعاله، وقد يكون وجود سماسره ووسطاء بأجر دنيوي، مع وجود تدخلات شر، وطمع وابتزاز واضح وصريح، والدولة -وفقها الله- لم تقصر وسبق وأن الملك عبدالله -يرحمه الله- أطلق مبادرة الحرص على عدم تجاوز الدية عن نصف مليون ريال فقط ولكن اُلتف عليها وتُكتب بذلك المبلغ وهي أضعاف مضاعفه”.
إننا كلنا أمل في تجاوز هذه المعضلة في المجتمع عموماً بل وإزالتها عبر الجهات المعنية فما عايشناه مؤخراً من حزمة أنظمة وتعليمات صارمة تمنع التجاوزات والاستغلال بين الناس في مختلف الاتجاهات والأشكال ونأمل أن تكون منها الديات المبالغة فهل من المقبول أن تصبح الديات أشبه بالتسويق التجاري وتنشر إعلاناتها في كل مكان بل وقد يعقد لها اجتماعات من أطراف أخرى؛ لدفع الدية وبأرقام فلكية فلو كان هناك طلب مباشر بين أهل القتيل والقاتل تحت مظلة جهة رسمية من حيث تحديد الدية وتخلله مبدأ العفو والرحمة النابعة من معين الدين الإسلامي من قبل أهل القتيل؛ لاختفت الديات المبالغ فيها تماماً، ولكن أن يسمح للآخرين بالتدخل؛ لأجل زيادة المبلغ المطلوب مع احتمال أن يكون خلف هذا التدخل انتفاع مادي متفق عليه فهنا يكمن الخلل في هذه الظاهرة المؤسفة والتي من المؤكد أنها تفاقمت في الآونة الأخيرة ولن تزال إلا بتدخل رسمي يمنع أطماعها.