المقالات

العزُّ والرُّشدْ في كلام وليِّ العهدْ

كلامٌ منطقيٌّ مهمٌ كانَ على أمريكا أن تسمعهُ، وقد أسمعها إيَّاه صاحبُ السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد للمملكة العربية السعودية في خطابٍ تاريخيٍّ وضعَ النقاط على الحُروف، وأبانَ أن أُسلوب الغطرسة في (فرضِ القيم) على الشعوب لن يُجدي نفعاً، موضِّحاً أنَّ “كل دول العالم وبالذات الولايات المتحدة والمملكة لديها عديدٌ من القيم التي تتفق بشأنها وعددٌ من القيم التي نختلف فيها، إلا أن القيم والمبادئ الصحيحة والجيدة دائما ما تؤثر في شعوب الدول الأخرى بالذات في الوقت الذي نرى فيه ترابطا بين شعوب العالم بشكل غير مسبوق، في المقابل، فإن محاولة فرض هذه القيم بالقوة لها نتائج عكسية كبيرة، كما حدث في العراق وأفغانستان، والتي لم تنجح فيها الولايات المتحدة”.
لقد جاءَ هذا الكلامُ في وقتٍ تسعى فيه الولايات المتحدة الأمريكية والمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة نحو فرض قيمها أيَّا كانت هذه القيم سويَّةً أم منحرفة، متجاوزةً فكرة التعايش المشترك بناءً على احترام القيم الخاصة بكل أمَّة، ودولة، لهذا أوضح سموَّه أن”من المهم معرفة أن لكل دولة قيما مختلفة يجب احترامها”.
خطابٌ لم يتعوَّد أن يقوله العربُ في وجهِ رئيس أمريكي، وقد قاله ولي العهد السعودي بكلِّ جلاءٍ وعزَّةٍ وشجاعةٍ، مما يمنحُ الخطاب صفة (التاريخية) فقد تعوَّد كل رئيس أمريكي أن يأتي للمنطقة لا لكي (يَسمع)، وإنما لكي (يُسمِع)، ويفرضُ ما يشاء، ويطلبُ ما يريد، ولكن الأمرَ تغيَّرَ هذه المرة ليعبِّر له سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن العلاقات بين الدول لا تُبنى بمنطق القوة والغطرسة و(فرض القيم) وإنَّما بالإحترام المشترك لاختلاف القيم، وعدم التدخل في شؤون بعضها البعض، ضارباً له المثل بذلك في قوله:”ولو افترضنا أن الولايات المتحدة لن تتعامل إلا مع الدول التي تشاركها القيم والمبادئ 100%،؜ فلن يبقى للولايات المتحدة من دول تتعامل معها سوى الناتو، لذا يجب علينا التعايش فيما بيننا على الرغم من الاختلافات التي نعيشها”.
إن السياسة التي تقودها أمريكا في مسألة (فرضِ القيم) على مجتمعاتنا لم تقتصر على الجانب السياسي والإقتصادي وإنما على الجوانب الدينية والأخلاقية والاجتماعية بفرضٍ قيم اليسار الديمقراطي الذي يتبنى سياسة التحرر من الضابط الأخلاقي والديني والاجتماعي بحجة زائفة، وشعارٍ منحرف تحت مظلة (حقوق الإنسان)، و(الحريات الإنسانية)، و(المساواة)، ووفق هذه السياسة بدأت الضغوطات تنهال على مجتمعاتنا في قضايا شاذَّة بغرضِ فرض القيم المنحلَّة، التي تدعو إلى التهتُّك والإِبتذال والإنحراف.
من هُنا كان خطابُ سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (يروي الغليل ويشفي العليل) في وجهِ الرئيس الأمريكي، حتى كان لكلماتهِ صداها القوي، ولعباراته ترجيعها المؤثر. خطابُ عزَّةٍ وشهامةٍ لا يرتضي الخنوعَ والإذلال، وإنَّما يُعلنُ بكل صراحةٍ أن زمن الإملاءات قد ولَّى، ودهرُ الفرضِ قد بان، وعليكم من الآن، أيها الأمريكان، أن تعلموا يقيناً أن للدول سيادتها، وللشعوب قيمها، وللأمم حضارتها، فإن شئتم أن تتعاملوا معها بالمعاملة بالإحترام المتبادل فافعلوا، وإلاَّ فلن يكون هناك إذعانٌ لغطرسة الأمر، وفرضِ الرأي.
خطابٌ فتحَ صفحةً مشرقةً لكلِّ العربِ، مؤذناً بمرحلةٍ جديدةٍ من مراحلِ التغيير الإيجابي.

* رئيس مركز قِيَم
كاتب وشاعر وإعلامي من سلطنة عمان

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اللهم اعزنا بالاسلام وقيمنا الاسلاميه وارفع رايتنا وكل المسلمين واحفظ لنا حكامنا وقوي شوكتهم واحفظنا من كل حاسد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com