المقالات

استغلال مفهوم “الحرية” في مُمارسة الحرب العقائدية الفكرية

تعدُّ الحرية من أهم الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، فهي حق ثابت للجميع دون استثناء, فليس لأحد الحق في أن يحرم آخر منها، كما أن الحرية لها آثارها النفسية الإيجابية على الفرد، فهي تُشعر الفرد بأهمية دوره وفاعليته داخل المجتمع، فاختيار الشخص لمأكله ومشربه وطبيعة لباسه ومكان عمله، من أبسط مظاهر الحرية التي يمكن التحدث عنها، وتتعداها هذه المظاهر إلى حرية الفكر والتعبير عن الرأي والحق في الاختلاف، وغيرها من صور وأشكال الحريات المقبولة اجتماعيًا في جميع دول العالم دون استثناء، فحرية إرادتنا لتصرف أو فعل معين يمكن أن نتعرف عليها دون أدلة وذلك بالتجربة الفكرية الإنسانية، فالحرية هي عين ديمومة الذات والفعل الحر يصدر في الواقع عن النفس وليس عن قوة معينة تضغط عليه، فهي تتمثل في قدرة الفرد دون إجباره، أو مساومته بشرط أو ضغط خارجي، على اتخاذ القرار، أو تحديد خيار من جملة خيارات مُتاحة. من خلال التحرر من الضغوط والقيود التي تكبت طاقة الإنسان وقدراته، فبها يستطيع الإنسان التخلص من كل أنواع وأشكال الإجبار، والتحكم، والإكراه، وهذا ما يؤكده الفلاسفة والكتاب ومنهم “كفولتير” عندما قال عن الحرية: “أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل قدرتكم على القول بحرية”، وهذا يوضّح أنّ مفهوم الحرية أيضًا قد يتعلّق بالرأي والتعبير عنه، وإتاحة الفرصة، وبذل الجهد حتى يتمكّن الآخرون من التعبير عن آرائهم أيضًا شريطة أن يكون الرأي سليمًا لا يتناقض مع القيم والمبادئ الدينية والأعراف المُجتمعية، وهذا ما يجب أن يتفطن وينتبه له كلٌّ من عشوائي العقول، وفقيري الثقافة، المطالبين بأمور مُستحدثة غير مقبولة اجتماعيًا ولا دينيًا ولا ثقافيًا ولا حضاريًا، بل تصل إلى أن تكون مُضرة صحيًا، من خلال مفهومهم القاصر عن الحرية، غير مُدركين للحقوق والواجبات والشروط الواجب اتباعها لممارسة هذا الحق المشروع والتي في أهمها وأولها أن لا يتنافى مع القيم والمبادئ الدينية والمجتمعية، فمعرفة ما لك من حقوق وما عليك من واجبات هو أمر جوهري تنموي مُلح؛ حتى يتحقق العلو الثقافي والارتقاء المجتمعي، فترك هذا المفهوم عن الحرية فضفاضًا دون تقصير أو توضيح، أوجد لنا مصطلح غربي مُستحدث يسمى بـ”الحرية المُطلقة”؛ والذي اعتمد عليه الكثير من الأشخاص للترويج لمعتقداتهم وأفكارهم وآرائهم من خلاله، متجاهلين تمامًا للآراء التي تتنافى مع فلسفتهم حول الموضوع المُقترح، واصفين من لا يلتزم بهذا المفهوم بالمجتمعات الدونية وغير التنموية، بالرغم من أن هذا المصطلح بحد ذاته مناقض تمامًا لمعنى الحرية، فهو بهذه الفكرة غير المُقيدة وغير المُحددة قد يتجاوز حدود الغير ويُجمد اعتبارات وآراء بعضهم، وعلى سبيل التوضيح والتوثيق والتذكير ما حصل قبل أشهر من سحب حق مشروع متعلق بالحرية الفكرية والثقافية والدينية للاعب من اللاعبين الرياضيين؛ وذلك بمحاسبته وفرض عقوبات جمّة وعديدة لمجرد ممارسة حقه في الامتناع عن حضور جولة كان الهدف منها هو الترويج للشذوذ الجنسي غير الفطري وغير الصحي، والذي يتنافى مع قيمه وأعرافه وفطرته الدينية والتربوية، وذلك بحجة عدم احترامه لحرية هذه العينات الفقيرة أخلاقيًا والهشة فكريًا، ضاربين ضرب الحائط بحقه ورأيه واعتقاده في القبول والرفض، متجاهلين لحريته في ذلك، وقد وصل بهم الأمر إلى استغلال المنصات الإعلامية والمؤتمرات المباشرة التقليدية منها والحديثة في استهداف مسؤولين من دولة عربية تهم لاستضافة كأس العالم؛ بهدف إحراجهم والضغط عليهم للرضوخ والاعتراف بهذه العينات المريضة غير الملتزمة دينيًا وأخلاقيًا وثقافيًا، وذلك بطرح أسئلة استعطافية تهدف إلى الاعتراف بهذه العينات، وتحديد دور ورأي الدولة المستضيفة فيهم والاعتراف بحقهم في الحضور والمتابعة والمشاهدة، دون مراعاة لحق الدولة المستضيفة في قبول هذه العينات أو رفضها؛ بالإضافة إلى أمور أخرى حصلت سابقًا من المطالبة بأشياء وأفعال وتصرفات غير مقبولة اجتماعيًا ودينيًا خلال هذه المناسبات، دون الاكتراث لحق الدولة السيادي في قبول ممارسة هذه التصرفات من عدمها. فجميع هذه الأمور ليست عشوائية ولا وليدة اللحظة بل هي حملات مُمنهجة ومدروسة؛ تهدف إلى تغيير الأفكار والعقول والقيم التربوية والمتراكمة منذ الصغر، وتدعيم جميع الآراء التي تتماشى مع أفكارهم ومعتقداتهم، وتكوين استجابة للأشخاص المحايدين والذين مازالوا في طور التطوير والتكوين بهدف التأثير عليهم، وقد وجدنا للأسف الشديد نتائج هذه الخطط المُمنهجة؛ من خلال مطالبة بعض الأشخاص في إحدى الدول العربية وشنهم لمظاهرات تنادي بهذا التصرف الذي كان في فترة سابقة يخجل من يتحدث عنه لا يقوم بفعلته، كما وصل الأمر للشركات الضخمة والمُنتجة للأفلام الكرتونية من مخاطبة الأطفال الصغار قليلي الخبرة بوضع بعض المشاهد غير اللائقة وغير الفطرية حتى تتحول هذه العادة المقززة إلى أمر طبيعي بالنسبة لهم، وهنا مكمن الخطورة، أخيرًا استوقفتني عبارة وأردت أن أختم بها.. إن زوجة نبي الله لوط لم تشارك قومها في فاحشتهم لكنها كانت بلغة هذا العصر تتقبل اختلافهم وتقرهم عليه، فكان جزاؤها قوله تعالى (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ)، وفي ذلك درس قاسٍ لكل من ادعى المثالية والانفتاح على حساب حدود الله.

عمرو عادل بسيوني

محاضر - جامعة أم القرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى