المقالات

#بايدن وإعادة التموضع السياسي في المنطقة

غادر الرئيس الأمريكي “جو بايدن” السعودية بعد أن التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وقادة الخليج ومصر والأردن والعراق، وأتى هذه اللقاء خلاصة لتحولات جيو سياسية، وإعادة تموضع سياسي قام بها بايدن الفترة الأخيرة خاصة مع السعودية.
في الاجتماع الذي جمع سمو ولي العهد مع الرئيس بايدن كانت إجابة سيدي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان إجابة حازمة ومُسكته عندما تطرق الرئيس بايدن لموضوع جمال خاشقجي بشكل سريع؟
الإجابة كانت كالآتي، كما نقلها مصدر سعودي مسؤول لقناة «العربية»: «ما حدث أمر مؤسف. ونحن في المملكة اتخذنا جميع الإجراءات القانونية، من تحقيق ومحاكمات، لحين صدور الأحكام وتنفيذها، كما قامت المملكة بوضع إجراءات تمنع حدوث مثل هذه الأخطاء مرة أخرى في المستقبل». كما ذكر ولي العهد السعودي أنَّ مثل هذه الحادثة تحدث في أي مكان في العالم، كما أنه في العام نفسه الذي حدثت فيه هذه الحادثة المؤسفة، قُتل صحافيون آخرون في أماكن أخرى من العالم. كما قامت الولايات المتحدة أيضًا بعدد من الأخطاء، كحادثة سجن أبو غريب في العراق، وغيرها من الأخطاء. إلا أن المطلوب هو أن تتعامل هذه الدول مع هذه الأخطاء، وتتخذ إجراءات تمنع حدوثها مجددًا.
بعيدًا عن القضايا التي استهلكت مساحات كبيرة من اهتمامات الاعلام العربي والغربي مثل قضايا الطاقة وطريقة السلام وغيرها فإن هناك منجزًا هامًا جدًا لم يأخذ حقه من التغطية الإعلامية؛ ففي اجتماع الجمعة بين الأمير محمد بن سلمان وبايدن، اتفق الطرفان على أن تغادر القوة الأمريكية وبقية قوات حفظ السلام والمراقبون من جزيرة تيران السعودية، التي تقع في فم خليج العقبة، بحلول نهاية العام استجابة لطلب السعودية لتحويل الجزيرة من قاعدة عسكرية إلى قاعدة اقتصادية، بعد استعادتها من الرعاية المصرية. في المقابل، تتحمَّل السعودية مسؤوليتها السيادية بشكل كامل في تلك المنطقة المهمة استراتيجيًا؛ فهي تشرف على ممرات بحرية دولية تسمح بمرور السفن أيا كانت ملكيتها.
المنطقة العربية تغيرت كثيرًا منذ آخر زيارة لبايدن كنائب للرئيس قبل 6 سنوات؛ فهناك تحالفات جديدة، بين بعض دول المنطقة قائمة بين دول يحكمها جيل جديد من الحكام الأقوياء يجمعهم التوجس والقلق من قوة إقليمية هي إيران، تراها إسرائيل كعدو بينما تراها دول خليجية مثل السعودية ودولة الإمارات كخصم لا تريد بالضرورة التورط في حرب معه، بينما هناك دول أخرى مثل: قطر والكويت وعمان والعراق تريد الحفاظ على علاقات طبيعية أو شبه طبيعية مع إيران، وهناك مباحثات بين دولة الإمارات وإيران بهدف إعادة العلاقات الدبلوماسية، وهناك اتصالات سعودية-إيرانية تجري بوساطة عراقية. فدول المنطقة أدركت أن الاتجاة السياسي أيضًا السائد في الولايات المتحدة في الكونغرس وفي المجتمع لا يريد أن تتورط الولايات المتحدة في أي حرب جديدة في المنطقة، حتى ضد دولة متطرفة مثل إيران. هذا التقدير دفع ببعض الدول في المنطقة لبناء علاقات عسكرية وتقنية متطورة مع الصين، وعلاقات اقتصادية وتنسيق نفطي قوي مع روسيا.
لقد قرار تبني بعض ساسة أمريكا بأن تكون إيران شرطيًا للمنطقة قرارًا فاشلًا للغاية؛ فإيران الخمينية صاحبة مشروع ثوري طائفي بامتياز بينما دول الخليج العربي صاحبة مشروع تنمية والاستثمار.
المشروع الإيراني تحول مع الوقت إلى تهديد ليس للحلفاء أمريكا فحسب، ولكن لمصالح أمريكا نفسها مع توسع النفوذ الروسي في إيران؛ وخصوصًا فيما يتعلق بالبرنامج النووي الذي تقف روسيا من خلفه تمامًا، وكذلك برامج التسليح الباليستي وغيره، مع عدم إغفال التوغل الصيني الهائل في كافة أوجه المفاصل الاقتصادية في إيران. وهذا هو الذي دفع بالرئيس الأمريكي جو بايدن في أن يصرح بأن أمريكا لن تسمح للصين وروسيا بملء الفراغ الذي تركته، وذلك بعد استشعار الأمريكيين بتقارب علاقات روسيا والصين مع دول مجلس التعاون الخليجي.
العودة الأمريكية إلى الشرق الأوسط ما كانت لتتم لولا عودة صناع السياسة العربية إلى الاضطلاع بدورهم في الشرق الأوسط. فمشاركة قادة مصر والأردن والعراق مع قادة التعاون الخليجي في قمة جدة، أعطت انطباعًا بتقدم قوى الاعتدال العربي للعب دور أكبر في ضمان مصالحها وفي شؤون المنطقة وفي علاقتها بالعالم. لم تعد دول الاعتدال متهمة بأنَّها رهينة الماضي وصانعة للتطرف، ومانعة للتقدم والإصلاح بل أصبحت الآن تعبد الطريق للمستقبل أفضل الآمال معقودة بأن تكون قمم جدة حجر الأساس لبناء تصور عربي واضح تجاه القضايا الإقليمية ونواة لأمن إقليمي مصغر بين الدول العربية الحاضرة.

*أكاديمي متخصص في الاتصال الجماهيري السياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى