الباحة مؤهلة لأن تُصنّف ضمن أبرز المناطق السياحية في وطننا الغالي لتوفر المقومات الأساسية كالمناخ الآسر والطبيعة الخلابة والقرى التراثية والمصاطب الزراعية، والجبال المكسوة بالنباتات والأشجار، ومجمل تلك العوامل تؤهل منطقة الباحة لمزيد من النماء الاقتصادي والسياحي، وحتى يتسنى تحقيق الطموحات العالية والآمال الوسيعة يستحسن وضع استراتيجية سياحية بالاستفادة من المختصين في التخطيط والتطوير والعلوم الطبيعية والديموغرافية، وقبل أن نسترسل في طرح فكرة” ملامح وجه الباحة” نشير إلى معلومات ذات قيمة حيث أن المساحة الجغرافية لمنطقة الباحة تقدر بحوالي 10000 الاف كيلومتر مربع فيما يُقدر عدد سكانها بحسب آخر احصائية نصف مليون نسمة وتضم تسع محافظات.
بلجرشي يتبعها (مراكز بني كبير بالشهم الجنابين) ومحافظة المخواة ويتبعها (مراكز الجوة ناوان نيرا شدا الأعلى وشدا الأسفل والأحسبة) فيما يتبع محافظة العقيق (كرا ، جرب الجاوة وراخ ، البعيثة) ومحافظة قلوة يتبعها (الشعراء باللسود آل سويدي المحمدية) وهناك عدة مراكز تتبع محافظة القرى (بني عدوان وبني حرير بيدة معشوقة نخال وتربة الخيالة) وزيدت ثلاث محافظات وهي بني حسن التي يتبعها (بيضان ووادي الصدر) فيما يتبع الحجرة (الجرين والفرعة بطاط يبس نصبة وجبال المسودة) أما محافظة الحجرة فيتبعها (الجرين وجرداء بني علي وبني عطاء.) وشكلت الطبيعة الجغرافية بتنوعها بين السهل والجبل تنوعا مناخيا ونباتيا إذ يسود الطقس اللطيف على سراة الباحة صيفا وتنخفض درجة الحرارة شتاء بحكم علوها عن سطح البحر بما يقارب 2400 متر ،فيما يسود الدفء قطاع تهامة شتاء مع ارتفاع درجة الحرارة صيفا ويسود المناخ المعتدل معظم أيام السنة على السفوح الشرقية وهذا التمايز في درجات الحرارة زاد من عملية التكامل بين القطاعات الثلاثة السراة وتهامة والبادية ليكون التنقل بين أجزائها تبعا لتأثير الطقس ، والذي زاد من عملية سهولة التنقل وجود الطرق الحديثة التي تربط أجزاء المنطقة كاسرة الحواجز الجبلية، وبطبيعة الحال اختلاف المناخ أدى إلى اختلاف أنواع النباتات إذ أن سفوح السراة تستحوذ على النسبة الأعلى من الغطاء النباتي ويتمثل في الغابات التي يقدر عددها بأربعين غابة
فيما تشكل الأحزمة الخضراء في تهامة والبادية لوحات بديعة تمتد بامتداد أوديتها الشهيرة، وكل قطاع تميز عن غيرة في نوع المنتج الزراعي أو الحيواني إذ تمثل المدرجات الزراعية التي صنعها الإنسان منذ آلاف السنين لتكون سلة على مر الأزمان وتراجعت في الآونة الأخيرة بسبب اتجاه الكثير من السكان إلى الوظائف الحكومية والأعمال التجارية، والقيمة الأجمل وجود الجبال وهي ثروة لا تقدر بثمن بشكلها البديع التي أوجدها الخالق عز وجل فضلا عن عشرات القرى التراثية التي أبدع انسان الباحة في نسجها على قمم وسفوح الجبال لتكون بمثابة لوحات تلفت أنظار الزوار والمصطافين وقد حظيت قرية ذي عين باهتمام هيئة السياحة لتكون مزارا سياحيا متميزا وهناك عشرات القرى تنتظر دورها في ترميمها وإعادة ما تهدم منها، بهدف رفع قيمتها التراثية،
نعود لذات السؤال الأول كيف نتمكن من تزيين وجه الباحة على اعتبار أنها بمثابة وجه حسناء كيف يتم ترابط ملامح الوجه ليكتمل الجمال لنمضي في محافظة القرى التي تستقبل الزوار ومحبي الطبيعة ، نلحظ أن تلك المحافظة تتفرد بمزايا عديدة كإنتاج محصول الرمان تلك الثمرة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ،
وقد أحسنت إمارة منطقة الباحة في التوجيه بتنظيم مهرجان سنوي تحفيزا للمزارعين وتعريفا بهذا المنتج وبالفعل يتنافس المزارعون في طرح انتاجهم مما شكل إضافة للسياحة في الباحة إلا أن ذلك لا يكفي ويمكن إنشاء شركات زراعية ويمنح لها مساحات واسعة لتستغلها في زراعة الرمان بطرق حديثة ومتابعة من اختصاصين زراعين وهنا يمكن أن يزيد الانتاج ليصل إلى الدول المجاورة خصوصا وأن رمان بيدة يعد الأجود مذاقا والأزهى شكلا وأحسن أهالي قرية الأطاولة في الاهتمام بقريتهم القديمة وإعادة ترميمها وتنظيم طرقاتها لتكون واحدة من مناطق الجذب لكثير من المهتمين بالتراث العمراني،
لننتقل إلى محافظة المندق أيقونة الجمال أرض الحسن والبهاء في شمال غربي المنطقة ونظرا لتميز طقسها فقد تم اختيارها لأن تكون مدينة صحية عالمية وقد جاء الاختيار وفق معايير دقيقة وتجارب عديدة وهي ميزة اوجدها الخالق لديار الصحابيين الجليلين أبي هريرة والطفيل بن عمرو رضي الله عنهما، والزائر للمندق يصاب بدهشة الجمال إذ تكتسي جبالها بالأشجار الخضراء بدءا من برحرح وصول إلى بالخزمر وخصوصا أشجار العتم “الزيتون البري| والعرعر والطلح وهنا ينبثق سؤال لم لا يتم زراعة أشجار الزيتون بشكل تجاري؟ خصوصا وأن المناخ يناسب تلك المواقع بالأخص جبال برحرح ودوس و إعادة زراعة اللوز في قرى الصدر ورسبا وما حولهما فالكتب التاريخية تشير إلى المنتج الوفير الذي يتم ايصاله للمدن المجاورة كاللوز وقد ورد ذلك في كتاب الرحالة ابن جبير،
ونواصل السير لنصل بني حسن إذ ينتشر الغطاء النباتي في قرى بيضان وخيرة حيث يوجد بها غابة الزرائب كواحدة من المناطق البكر إذ تعد إضافة سياحية للمنطقة فيما لو تم تنفيذ مشاريع ترفيهية كالعربات المعلقة لتربط أجزائها عابرة سفوح الجبال لتشكل مناظر بانورامية مدهشة لمن امتطى تلك العربات وهو مشروع يأمل الأهالي أن يتحقق، فيما تزهو بيضان كنجمة متلألئة بحكم ارتفاعها واخضرار جبالها ولم لا يقام سلسلة فنادق بها ؟فهي منتجع جميل،
ليصل الزائر إلى وسط المنطقة “مدينة الباحة” التي اخذت المنطقة مسماها منها وبها أعلى نسبة كثافة سكانية ستين حي وقرية فضلا عن أجمل منتزه ” رغدن” الذي يستقطب مايزيد عن 90% من زوار الباحة بحسب دراسة أعدت لهذا الغرض وبالفعل شهد هذا المنتزه اهتماما كبيرا من أمانة المنطقة بتوفير الخدمات التي يحتاجها الزوار وما زالت عملية التطوير والتحسين مستمرة بعبقرية رائعة من مهندسيها والمأمول اعادة استزراع المناطق التي تجردت من أشجار العرعر سيما وأن هذا النوع من الشجر يحتاج إلى سنوات طويلة لينمو ويمكن عمل مشتل لشجرة العرعر لما تمثله من قيمة جمالية واقتصادية وسياحية ، وكانت تجربة زراعة الزيتون في شرق مدينة الباحة ناجحة بل فاق المنتج المستورد شكلا وطعما وهذا ما يدفع كبار المزارعين المزيد من استصلاح السفوح وزراعتها بهذه الشجرة المباركة ، أما المصاطب لزراعية خارج المركز الرئيس لمدينة الباحة تعد كنوزا مهمة لم تستثمر بعد رغم أنها بنيت منذ آلاف السنين واستثمرت في زراعة الحبوب خصوص الحنطة والذرة وكذلك الفواكه كالحماط والعنب المشمش، وكون الباحة كواسطة العقد بين الحسناوات يمكن اقامة فنادق بمستويات خدمية عالية وشقق فندقية فاخرة مع تسريع انجاز مشروع التلفريك لربط منتزه رغدان بالمنتجع الواقع على قمة جبل مهران انحدارا إلى قرية ذي عين، وهذا المشروع سيحقق مكاسب اقتصادية ويسهل الوصول بين الجبل والسهل ويكون إضافة سياحية متميزة، فالمنطقة شهدت في سنوات مضت اقبالا كبيرا من السياح والزوار مما اصبح هذا الطلب ملح في الآونة الأخيرة.
ننعطف في السير عبر مشروع عملاق ربط القطاعين السروي بالتهامي مشروع عقبة الباحة لننحدر عبر منعطفات وصولا إلى محافظة المخواة حيث تستقطب قرية ذي عين التراثية الزائرين لرؤية مبانيها المتقنة البنيان التي تتسنم ربوة بيضاء وتحف بالقرية غابة صغيرة من أشجار الموز والكادي يغذيها مياه رقراقة تنبجس على مدار العام من باطن الصخر كهبة إلهية لمزارعي القرية فغدت القرية لوحة مكتملة الجمال بهاء يسر الناظرين وعلى مرمى النظر ينتصب جبلان عملاقان شدا الأعلى والأسفل ليكونا علامتين فارقتين في هذا القطاع، الجبلان وردا في كثير من الكتب التاريخية وبالمخواة أودية أشهرها وادي الأحسبة ينبض بالحياة،
المخواة مدينة ناهضة وساعدها على ذلك انبساط ارضها فقد أضحت مكانا جاذبا لسكان السراة في فصل الشتاء حيث المناخ الدافىء .
وأن يمم الزائر شمالا فستكون جوهرة تهامة “قلوة” في استقباله تلك المدينة التي تنامت في هذا العهد الزاهر ويزين جيدها الأودية والجبال المكسوة بالغطاء النباتي فضلا عن موقعين أثريين الخلف والخليف التين ازدهرتا في أزمنة مضت وبقيت أطلالهما إلى وقتنا الحاضر .
وليس ببعيد عنها محافظة الحجرة التي اخذت تتنامى غيرها من محافظات المنطقة وانعطافا إلى الغرب تعبق غامد الزناد كوردة سكنت السهل والجبل .
بقي العقيق وبلجرشي حيث تفترش العقيق قرابة ثلث مساحة المنطقة ترتبط بعدد من المناطق المجاورة كعسير ومكة المكرمة ونمت العقيق عمرانيا وتخطيطيا بسبب وجود الميناء الجوي الذي يستقبل في الأسبوع قرابة 64 رحلة إضافة إلى رحلات طيران ناس لتخفف الضغط وتوفر المقاعد وصولا إلى المطارات الداخلية، وكذا جامعة الباحة كمنارة علمية ضخمة بها قرابة 30 ألف طالب وطالبة فضلا عن سد العقيق إذ تقدر كمية المياه المحتجزة بحوض السد بنحو 19 مليون متر مكعب، ليغذي الباحة عبر انابيب الخير، وكانت العقيق تنتج أنواع من التمور إلا أن زراعته انحسرت في الآونة الأخيرة، ربما لتذبذب سقوط الأمطار من عام لآخر، ومما يحسب للعقيق نجاح زراعة الخضار في المحميات مما يأمل البعض أن تصبح العقيق سلة غذا للمنطقة متى تم الاستثمار الامثل للمساحات الزراعية الواسعة والمنبسطة ومازال المستقبل المضيء ينتظر العقيق باستثمار كل امكاناته الزراعية والسياحية والأثرية حيث الرمال والآثار اذ يمر من أطرافها طريق الفيل وهو الطريق الذي عبر منه أبرهة الحبشي غازيا مكة وفشل بعد أن أرسل الخالق عز وجل طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، ويمكن تحديد زيارة الموقع لرؤية الطريق وأخذ عبرة الجبارين والطغاة في الأرض وما سوف ينتظرهم من خزي وعذاب من الخالق عز وجل،
وهنا مزايا سياحة كالرياضة في الرمال والطيران الشراعي وسباق الخيل وينتظر العقيق مستقبلا باهرا بوجود الطريق السريع الذي يربط الباحة بالعاصمة الرياض ليختصر مسافة طويلة، فضلا عن ربطه ببيشة وخميس مشيط ووادي الدواسر،
وفي جنوب المنطقة واحدة من المدن التي تضرب بجذورها في أعماق التاريخ “بلجرشي الفيحاء” وسكانها منذ أزمنة قديمة برعوا في التجارة حتى غدت علامة مضيئة وأضحى رجالها بارزون على مستوى الوطن في التجارة واخذت المدينة تتنامى عمرانيا واقتصاديا بوجود الأسواق الكبيرة وتنامي الحركة التجارية وساعدها انبساط أرضها ويحف بها جبل شهير جبل حزنة الذي ورد ذكره على ألسنة الشعراء الأوائل .
ولمن يود الاتجاه جنوبا نحو بالشهم فستكون الطبيعة العذراء في استقباله بالشهم نسجت قصيدة ابياتها من الأشجار الخضراء ومعانيها تزدهي بأريج النبات العطرية.
نعود إلى التساؤل الذي طرحناه في البدء كيف نستطيع تحسين وجه المليحة الباحة، وكيف نتمكن من تحقيق التكامل ليصبح وجه الباحة فاتنا وأنيقا وجذابا كيف نحقق الترابط بين المحافظات ونعطي كل ميزة الاهتمام الأكبر سواء كانت زراعية أم سياحية أم تراثية لتكون اللوحة مكتملة الجمال تشد أهداب عيون الزوار والمصطافين . سؤال بشذا ورود الباحة.