متى تكتشف أنفس ما لديك؟ ومتى عقلك يُدرك واقعك الذي تعيشه؟ أتساءل متى عقلك يدرك أنفس ما لديك؟ فكل ما لدى الإنسان من مأوى ومأكل ومشرب وملبس، قطعًا لا تُساوي شيئًا حين يفقد الأنفس، صحيح أنك قد تستطيع أن تشتري بعض ما ترغب أو بعض ما تحب، وأن تفعل ما تريد كيفما تريد، تُغير وتُبدل أو تُنقص وتزيد، ولكنك لا يمكن أن تشتري دقيقة واحدة أو حتى أقل منها حين تبلغ الأجل.
لا يمكنك أن تشتري الوقت فالأيام مُسرعة، حتى لو كان الثمن أموال الدنيا مُجتمعة، لا يمكنك أن تُسيطر على الوقت حين يبدأ، فالنهاية سمةً فيه ومبدأ، لذا لا يمكنك فعل شيء إذا النفس جاء أجلها، ولن يؤخرها الله وليس لها إلّا عملها، لذا فإن أنفس ما لديك هو عمرك، الذي لا يمكن أن يزيد فيه تفوقك أو نجاحك أو صبرك، فكما قيل إنما أنت أيام وكلما ذهب يوم ذهب بعضك.
لا تكن غائبًا عن واقعك بعيدًا عن الطاعات، لاهيًا عن الحقيقة التي لا جدال فيها وهي مُضي الدقائق والساعات، ولا تظن أنك ستعيش وتبلغ أرذل العمر، فإن كان هذا ظنك فأنت واهم، وتعاني الغفلة عن حتمية الأمر، وظنك لا يُغنيك ولن ينفعك لا مالك ولا أبناؤك ولا كل ما لديك، ولا تُساوي الألقاب ولا المراتب، ولا الخيلاء أمام هادم اللذات الذي سيُلاقيك، فلا تقضِ وقتك وأنت لا تزال لم تكتشف أنفس ما لديك.
كن من أحب عباد الله إلى الله، واجعل كل ما تعمله خالصًا لوجهه جل في عُلاه، سارع بقضاء وقت أكبر للعبادات؛ وكن من أحسن الناس خُلقًا، ولا تقنط من رحمة الله وتعيش مُكتئبًا منهزمًا مُرتابًا قلقًا؛ فإن بذلت الجهد الجهيد، سلمت في يوم الوعيد، واجعل غايتك رؤية وجه الله سبحانه وتعالى، وألّا يكون مصيرك مصير إبليس، حينها ستكتشف في كل دقيقة تقضيها قيمة عمرك النفيس.
ها هي فرصتك الوحيدة التي لا تُعوض ولن تعود، هذا العمر الذي لديك، والذي هو الآن لا يزال موجود، فلا يختلط عليك النافع بالضار، ولا تتبع الظن بأنه هناك مُتسع للتأجيل والانتظار، وأرجو لي ولك أن يرحمنا العلي القدير الباقي، وأن يُلهمنا أن نتذكر الشهادتين عندما تبلغ الروح التراقي، وانتبه فإن العمر يمضي وبعضك ذهب.
ودمتم بود
ابومعاذ رجل ذو خُلق وفكر راقي وادب واحترام امتعتنا بكتاباتك وطرحك البناء والممتع