جامعاتنا.. مع الخيل يا شقراء
بقلم/ د. عبدالله بن علي النــهدي
المُتتبع للأنظمة التعليمية في دول العالم يجد أنها تختلف عن بعضها؛ فهناك دول تعتمد في نظامها التعليمي على فصلين دراسيين، ومن تلك الدول: روسيا وفنلندا والصين، وكذلك الغالبية العظمي من الدول العربية. فيما تعتمد بعض الدول في نظامها التعليمي على ثلاثة فصول دراسية، ومنها: بريطانيا واليابان والإمارات العربية المتحدة، بينما تعتمد بعض الدول نظام الأربعة فصول دراسية مثل: فرنسا وأستراليا وبعض الولايات الأميركية. ويبقى المبرر الأهم لكل دولة في اختيار نظامها الدراسي بما يتناسب مع إمكانياتها وظروفها، وبما يسهم في تحقيق أهدافها التعليمية. وقد بدأت وزارة التعليم السعودية مع مطلع العام الدراسي المنصرم 1443 في تطبيق نظام الثلاثة فصول دراسية؛ بحيث تكون مدة كل فصل دراسي ثلاثة عشر أسبوعًا دراسيًا بمجموع (39) أسبوعًا خلال السنة، وتخلل تلك المدة اثنتى عشرة عطلة مختلفة. ورغم أن الوزارة لم تعتمد على دراسات أو تجارب ميدانية تختص بالبيئة التعليمية السعودية قبل تطبيق نظام الثلاثة فصول إلا أن الوزارة حددت أهداف التحول لنظام الثلاثة فصول فيما يلي:
• رفع مستوى تحصيل الطلاب، وتعويض الفاقد التعليمي، ومواءمة عدد أيام الدراسة في السنة للمملكة مع نظرائها في مجموعة العشرين، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بما يتوافق مع متطلبات العملية التعليمية في السنة الدراسية.
• زيادة مساهمة التعليم الأساس في رفع كفاءة نظام التعليم السعودي.
• زيادة المرونة والقدرة على التكيف مع احتياجات النظام التعليمي خلال العام.
والحقيقة أن الأهداف السابقة من وجهة نظري ليس هناك ما يعيق تحقيقها في ظل تطبيق نظام الفصلين الدراسيين، أي حتى وإن كانت هناك مزايا تتحقق بتطبيق نظام الثلاثة فصول إلا أن الأهداف التي بررت بها الوزارة التحول لهذا النظام ليست مقنعة. فالتبرير بمواءمة عدد أيام الدراسة في المملكة بمجموعة الدول العشرين أو منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مبرر غير دقيق كون نظام التعليم يختلف من دولة لأخرى؛ فهناك من دول العشرين من تطبق نظام الفصلين، وبعضها نظام الثلاثة فصول، وأخرى تعتمد نظام الأربعة فصول، بل إن دولة واحدة مثل الولايات المتحدة تطبق أكثر من نظام للتعليم من حيث عدد الفصول الدراسية. إضافة إلا أن هناك دولًا خارج منظومة مجموعة العشرين وتتفوق على دول المجموعة بقوة نظامها التعليمي، ومنها دولة فنلندا والتي تتبع نظام الفصلين الدراسيين، حيث تربعت هذه الدول الصغيرة على قائمة الدول الأقوى في نظام التعليم منذ عام 2000م، ولم تصل إلى هذا النجاح إلا بالتخلص من بعض المعتقدات الخاطئة التي تعتقد كثير من الدول أنها متطلبات أساسية لنجاح نظام التعليم، فقامت فنلندا بتقليل أيام الفصل الدراسي، وتقليص ساعات التدريس في الأسبوع، وتوقف الاختبارات الموحدة، كما تم التخلص من الواجبات المنزلية والدروس الخصوصية، وبذلك تصدرت ترتيب طلبة العالم في اختبارات القياس الدولية. بل ومن ذلك العام وطوابير الوفود التعليمية من مختلف الدول تتوافد لزيارة فنلندا للحصول على إجابة للسؤال الغامض: ما الذي يحدث في مدارس فنلندا؟
وقد أحسن صنعًا مجلس الشورى عندما طالب مؤخرًا وزارة التعليم بتقويم تطبيق نظام الفصول الدراسية الثلاثة على مدارس التعليم العام؛ بما يؤدي إلى توصيات بمدى استمرار تطبيقه أو تطويره، أو العودة إلى النظام السابق، مع إجراء التعديلات اللازمة عليه، وإن كان الوقت متأخرًا لتقويم التجربة قبل بداية العام المقبل 1444هـ، إلا أن الوزارة تستطيع أن تبدأ بخطوات أولية تحدد من خلالها عناصر ومراحل وأطراف عملية التقييم، وفي مقدمة تلك الأطراف الاهتمام بآراء المعلمين والطلاب وأولياء الأمور حول نظام الثلاثة فصول. ويأتي الأمر الأكثر غرابة وبرغم أنه لم يتم تقييم نجاح التجربة من عدمه بعد مرور عامها الأول في مراحل التعليم العام؛ إلا أن الجامعات السعودية باستثناء جامعة أو اثنتين؛ قد هرولت جميعها نحو تطبيق نظام الثلاثة فصول بدءًا من العام الدراسي الجديد دون دراسة أو مبررات منطقية سوى مبرر (مع الخيل يا شقراء)، رغم ما تملكه جامعاتنا من كوادر وإمكانيات ومراكز أبحاث!
لدغة:
سألت أحد المعلمين هل تعتقد أن هناك مبررًا منطقيًا يمكن ربطه بتطبيق نظام الثلاثة فصول، قال لي: لا أعرف سوى أن تطبيقه واكب اعتماد الجرعة الثالثة من لقاح مرض كوفيد19، قلت له: إذًا ادع ربك ألا تكون هناك جرعة رابعة وخامسة إلزامية!!
——————-
• عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة