لم يكن لهما قدرة على طلبها.. فقد أصرت ورغدت وأزبدت ومرضت لكي تسافر للدراسة خارج مدينتها وليس باليد حيلة..
باعت أمها ما تملك من ذهب.. وباع الأب أرضاً يملكها..
سافرت.. وهي ترى دموع أبويها.. ودعواتهما لها..
واعتبر سكان الحي أن ذلك تهوراً غير مقبول منهم.. وبداية غير محمودة ستفتح الطريق لبناتهم..
غابت عنهم مدة طويلة.. فلا صوت ولا خبر.. وليس هناك من يساعد.. الأم تبكي والأب مكتئب بعد عام من سفرها..
رجعت إليهم وهي تحمل أنباءً عن تفوقها.. والتحاقها بأحسن جامعات العالم.. وأنها ستكون وتكون..
فرحا بها وبقدومها.. وتوسلا لها أن تبقى معهما.. رحمة بهما..
ولكنها كالعادة أصرت على السفر.. وطلبت مساعدة مادية لكي تنجز حياتها الدراسية.. وتم لها ما أرادت..
وانقطع التواصل أيضاً.. وكأنهما تعودوا منها على ذلك.. وأملهما أن تنتهي السنة ويرونها..
عادت أيضاً ببشرى تفوق وطلبت مساعدة مالية.. ولكن أخوها الأصغر سناً.. وقد نضج خلال العامين.. ورأى حال والديه..
انبرى لها.. وقال ليس هناك مساعدة.. وليس هناك سفر من أصله.. بكيت وانتحبت وتوسلت..
ولكن الأخ كان لها بالمرصاد.. وأصبح يغذي والديه قوة وصبراً..
قررت أن تسافر من غير موافقتهم.. ولكنها تحتاج إلى الموافقة.. عادت إلى بيتها مكسورة.. باكية.. خاضعة..
تقدم لها أحد أبناء الحي.. ودائماً تسأل عن أحواله المالية.. فترفض لأنها ترى أنه لا يلبي لها ما ترغب..
تقدم لها أحدهم وكان ميسوراً.. بورثة من أبيه.. تزوج بها.. وقضيا أيامهما الأولى في مدينتهما.. مقنعاً إياها بإنه مشغول ولابد من وجوده في عمله..
ومرت الأيام.. واتضح لها أن صاحبنا.. الزوج الغني.. بخيل.. ولا تقبل حياتها البخل.. وقد حملت وعندها مستقبل أولادها..
ظلت معه على بخله.. وأنجبت منه خمسة أولاد.. كبروا.. وتعلموا.. وتوفاه الله.. فورث الأبناء الشركة كلها..
وقرروا أن يسافروا.. فرفضت أن يسافر أي منهم.. حتى تسافر.. وترى ما يكون خارج بلدها..
سافرت لوحدها.. وتنشقت الهواء.. وقالت: تأخر السفر كثيراً.. عادت إليهم وهي تحمل من الذكريات ما يجعلها تصدر الرأي المميز..
لقد عاشت.. وهي تعاني من عقدة السفر..
وماتت.. وهي تعاني من من عقدة البخل..
رحمها الله.. لم ترضى..
فقوبلت بما لا ترضى..
أحمد حسن فتيحي