المقالات

معلقة في جبين الزافر، كجناح صقر انقضّ على فريسته، يلتمع مقبضها العاجي حين يزداد النهار وضوحا، تلك القطع المفضّضة التي تحليها تزيدها وهجا، يطوقها حزام جلدي به نقوش من خيوط معدنية ملونة على أشكال أزهار.
حين يسمع والدي صوت الزير يباشر بإنزال «الجَنبيّة» من مرقدها بهدوء وينزع سلتها الفارطة الحدة ليمسح جوانبها، وبتحرز بدءا من رأسها الحاد والمدبب وصولا إلى المقبض.
بهدوء يلف الحزام حول وسطه ويثبته بثقة، لتبدو طرفا «الجَنبيّة» بارزتين، وقف والدي كشجرة عرعر، والتفت نحو الباب المشرع لينهب الدرج الحجري، بخطوات عجلى، كنت أرقبه بكثير من الإعجاب، وانجذبت كفُتات حديد نحو المغناطيس، باحة السوق تعجّ بالعرّاضة وكأنهم في ساحة معركة حامية الوطيس، يدكّون الأرض بأرجلهم وبحماس متّقد مع إيقاع الزير.
المشاركون في مصفوفة منظمة على شكل قوس، والشاعر يصدح بالقصيد، ليردّدها المشاركون، وأبي يمتشق سلّة «جَنبيّته» بسرعة خاطفة ويهزّها بيمينه بعنفوان، ليزداد لمعانها مع سهام شعاع الشمس العصري، واستمر يثني جسده كشاب في العشرين مع إيقاع الزير والطبول المصاحبة والانسجام التام مع الحركة التي يؤديها الحاضرون، تزداد العرضة حماسا حين يلامس الزير المواقد الذي أُعد، والمشاركون يرفعون سلال «جنابيهم» المرهفة ويلوّحون بها في السماء.
استمر الفرح يتراقص كبشائر مطر الصباح، وازداد لمعان «الجنابي» كشهب تتساقط من السماء، وملامح حنطية تعزف البهجة، فيما يتسرّب صوت الشاعر كشلال إلى مفاصل الجبال البعيدة، والأطفال يلاحقون الفرح القروي كذؤابة بيضاء، وأصوات النّسوة تشقّ منافذ المنازل الحجرية المحيطة بباحة السوق بأصوات تلهب العواطف وتؤجّج المشاعر، لهن طقوسهن المتميزة في إحياء الفرح وإشعال البهجة.
مشهد قروي يقفز إلى ذاكرتي، حين أشاهد تلك المعلقة في جبين الزافر، التي تشبه جناح صقر هوى من سماء عالية نحو فريسته

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الكاتب الحقيقي هو من يقرأ الأشياء بطريقة مختلفة يرصد كل الأبعاد ويداول فيها اللغة بحرفية ليصل إلى نقل واقع الأشياء بطريقة مشوقة يهدف فيها إيصال معرفة جديدة شكل الجنببة شبهه بجناح الصقر وداول المفردات حول صقر جارح محلق في السماء، وهنا انتقل الى معارف جديدة واصبح القاري يرصد مشهدا جديدا أضاف معرفة تستحق المتابعة، وهكذا تابع قراءة المشهد ببعده التاريخي ليصل إلى مستوى مفهوم الإرث الحضاري المتوارث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى