إن ما تشهده الأمم والحضارات من تطور وتقدم، إنما كان للعلم والبحث العلمي دور كبير جدًا فيه، والعقل البشري بما منحه الله من قدرة تفوق بها على مخلوقاته، هو مصدر الابتكار بل وهو الوسيلة التي حباها الله للإنسان في التدبر والتفكير، واكتشاف مكنونات الله وعجائبه في الكون وحل مشكلاته، وهي السبيل إلى الإيمان والمعرفة الحقيقية والحكمة من خلق الإنسان. وإن تطويع البيئة واستثمار ما بالأرض ما هو إلا بفضل ما منحه الله للإنسان من عقل وذكاء ورؤية واستبصار، جعلت الإنسان يتفوق على سائر المخلوقات، وفي نفس الوقت يقع على الإنسان مسؤولية كاملة لحسن استخدام العقل في التفكير والابتكار وخدمة الإنسانية.
وبقدر ما يفعل الإنسان عقله، ويبذل الجهد في التفكير فيما حوله بقدر ما يبدع ويبتكر، وهكذا تطورت البشرية بفضل ما حباه الله للإنسان من قدرات ومؤهلات فكرية ووجدانية استعملها فردًا أو جماعات في تطويع، وتطوير البيئة لصالح البشرية في كافة المجالات، وحينما يقال الحضارة الإسلامية على سبيل المثال؛ فإن ذلك يعكس شواهد الأدلة على ما قدمه علماء المسلمين في حقبته تلك الحضارة من علوم وفنون في كافة المجالات، ولم يتوقف حجم ومساحة الإفادة للمجتمع الإسلامي فقط بل كانت الإنجازات العلمية متاحة لحضارات مختلفة بغض النظر عن ديانتها ولغاتها، وقد أفاد من تلك العلوم وتطبيقاتها الحضارة التي تلتها، وتزامنت معها والتي تسمى فيما بعد بالحضارة الغربية ترجمة وتطبيقًا، بل وتسارعت تلك الإبداعات والاختراعات والابتكارات فيما يسمى بالحضارة الغربية على مدى القرون الماضية حتى أصبح ما كان بعد خيالًا أو من فكر الخيال مترجمًا إلى واقع سواءً كان ذلك في الطب حيث زرع الإنسان قلبًا صناعيًا ومفاصل صناعية بل وشرائح في الدماغ وصعد الإنسان للقمر، واخترع الإنسان وسائل التواصل والاتصال التي تسابق الزمن والآلة بأنواعها بما لم يكن يفكر فيه الإنسان بل ويعده من الخيال وغيره وغيره الكثير مما اكتشف، وما لم يكتشف بعد وكلما بذل الإنسان وفكر واستثمر تفكيره، وتوفرت لديه الوسائل والامكانات كلما استفاد وقدم إبداعًا وابتكارًا جديدًا وإضافة.
إن العقل البشري هو كنز التميٌّز للإنسان فيه يفكر ومن خلاله يبحث ويبتكر، ويحل مشاكله ومشاكل من حوله، ويتكيف مع المواقف والظروف السهلة منها والمعقدة، وبقدر ما تتاح الظروف والإمكانات والتعليم الاستثمار في العقل البشري ولتوليد مكنوناته من خلال التعليم والتدريب بقدر ما ينشط العقل ويبدع ويبتكر. والله سبحانه وتعالى خالق الكون والكائنات فضل الإنسان على كل المخلوقات وحمّله مسؤولية التفكير والتدبر للعبادة والعمل، وتعمير الأرض وإفادة الإنسان، وأرسل الرسل سبحانه وتعالى والأنبياء لإيصال الرسالة السماوية للبشر لرسم خارطة الطريق لتحقيق أهداف الوجود ونعم الله لا تعد ولا تحصى ليستثمرها الإنسان، وارتبطت إنجازات الحضارات وتقدم الأمم بأعمال الفكر والبحث وتسخيره في خدمة الإنسانية، وتطوير حياتها وتسهيلها من خلال المبتكرات والاختراعات والاكتشافات، ويطول الحديث عن مصادر تنشيط العقل الإنسان وتحفيزه للبحث والإبداع والابتكار، ولكن المعروف في زمننا المعاصر أن المدرسة والمنزل والأسرة نواة المجتمع، وتلعب دورًا كبيرًا في توجيه وتدريب وتحفيز فكر وعقل الطلبة نحو التفكير والاستقلالي، والتفكير الناقد في كل شؤون الحياة والتعلم والتعليم والتدريب حتى ينضج ويصبح مبدعًا.
@ALDrSalman
قال تعالى “وفي أنفسكم أفلا تبصرون “، الذاريات 21 . أشكر لسعادة الدكتور سلمان بن زايد الحارثي ، مقالته المبدعة الرائعة ، العقل البشري وإكتمال نضجه للإبداع والتفوق في دفع الإرتقاء بمجتمعاتهم ، أفرادا وجماعات، ليتفوق على سائر المخلوقات في هذه الجوانب ، وفي رأي أن سعادته أصاب وأجاد كثيرا، مما أعطى لهذه المقالة قيمتها العلمية المفيدة . وفقه الله وسدد خطاه .