الرغبة في التميُّز حق مشروع للجميع أفرادًا ومؤسسات، ولا خلاف في ذلك الأمر على الإطلاق، ولكن هل يكون التميز عن طريق الأشياء التي نسعى إليها بافتعال وتصنع؟ بطبيعة الحال هنا تتحوَّل الرغبة في التميز إلى نوع من الهوس المرضي لدى كثير من الناس، فلا يعيشون حياتهم بصورة طبيعية، بل تضيع أوقاتهم وهم تحت الضغط يفتشون في أنفسهم، وحولهم وحواليهم عن أي شيء يخرجهم من دائرة الظل إلى دائرة التميز.
وقد يصل الحال ببعض الناس في وقت من الأوقات إلى درجة من الإحباط يحتاج معها لمن يكذب عليه أو يبيعه الوهم، وما أكثر أولئك الذين لديهم القدرة على القيام بهذه المهمة طالما هناك مصلحة، وربما يكون هذا الوضع مقبولًا في ظروف سابقة حينما كان الوعي محدودًا، وكانت وسائل الاتصال والتواصل معدودة وضعيفة مقارنة بما هي عليه اليوم، إضافة إلى أن لغة الإحصائيات والأرقام قد كانت خارج نطاق التغطية. لكن ومع كل أوجه التغيير التي تشهدها كافة مجالات الحياة في مجتمعنا هذه الأيام، ومع كل حركات التطوير التي تشهدها مختلف مؤسسات القطاعين العام والخاص، إلا أن هناك ممن لا زال يستمرئ الكذب عيني عينك دون ذرة خوف أو خجل. لكن هؤلاء الجهلة لا يدركون أننا لم نصل بعد إلى هذه الدرجة من الإحباط، ولسنا بهذا المستوى من السذاجة لنصدق نجاحاتهم وألقابهم وجوائزهم الوهمية. والمؤسف أن هذه الظاهرة لم تعد حكرًا على أفراد فقط أو مجال من مجالات الحياة دون غيره؛ بل إن الأمر أصبح يشمل كيانات مؤسسية لها إداراتها ومنسوبوها وعملاؤها.
وفي هذه الأيام ونظرًا لرغبة مؤسسات القطاعين العام والخاص للوصول للتميز المؤسسي، وكون الأمر يتطلب وجود جهات توثق امتلاك تلك المؤسسات لهذا التميز والجودة المطلوبة فقد تفشت في السنوات الأخيرة وبكل أسف ظاهرة تجارة شهادات الجودة والتميز المؤسسي، وتتجاهل تلك الإدارات بأن العميل اليوم أصبح أكثر ذكاءً وقدرة على اكتشاف عدم التطابق في معايير وإجراءات الجودة؛ فبذلك تفقد المؤسسة مصداقيتها، وبالتالي تخسر عملاءها.
ولك أن تتخيَّل حين تجد بعض المؤسسات وفي الوقت الذي يتذمر موظفوها من سوء بيئة العمل لديهم، ويشتكون من ضعف الحوافز، بل ومن فقدان الكثير من الحوافز والمميزات السابقة التي كانوا يحصلون عليها؛ حتى وصل الحال بعدد كبير منهم إلى مغادرة المؤسسة إما بالتقاعد المبكر أو النقل أو الاستقالة وبشكل ملفت للنظر للبحث عن فرص عمل أفضل في أماكن أخرى. ولكن الشيء المضحك وشر البلية ما يضحك عندما تتفاجأ بأن تلك المؤسسات تحصد جوائز في الجودة والتميز وأفضل بيئة عمل.
من الأمثال الشعبية:
“قال وش درّاك إنها كذبة.. قال من كبرها”.
لدغة:
لا غرابة أن يحصل الطالب البليد على جائزة الطالب المثالي إذا كان أبوه مدير المدرسة.
• عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة.