أسعدتنا خلال الأسابيع الماضية وسائل الأخبار العالمية والمحلية بما تناقلته عن حصد طلبة المملكة العربية السعودية بنين وبنات لجوائز الأيسف العالمية؛ فعشنا فرحةً وطنية عارمة بهذا الإنجاز المهم والتميز اللافت في واحدة من أهم المسابقات الدولية. أن يكون لشباب الوطن هذا الطموح والتفوق العلمي الكبير على مستوى دول العالم كافة لهو أمر يثلج الصدر. على أن هذا الإبداع لم يكن وليد اللحظة ولم يتحقق صدفة؛ إذ ثمة جهود كبيرة بذلت وتبذل في هذا الصدد، ولا نكشف سرًّا بالقول: إن مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع “موهبة” هي المؤسسة التي تقف دعامة أساسية ومنطلقًا لإبداع الشباب السعوديين في كل مجال علمي، ومن المهم الإشارة إلى أن المؤسسة وقفيّة غير ربحيّة، وهي أحد كيانات مؤسسة الملك عبد الله الإنسانية التي تأسست قبل 20 عامًا، وتحصد ثمار الجد والاجتهاد والمثابرة في متابعة الطلبة المتميزين الذين تستقطبهم من سن مبكر
والمُطلع على أهداف المؤسسة يتأكد لديه أنها مؤسسة تسعى إلى اكتشاف ورعاية الموهوبين والمبدعين في المجالات العلمية ذات الأولوية التنموية، وهي تهدف للإسهام في بناء منظومة وأنموذج للموهبة والإبداع محليًا وإقليميًا وعالميًا، مستمدةً ذلك من رؤيتها بتمكين الموهبة والإبداع؛ كونهما الرافد الأساس لازدهار البشرية.
كما أن رسالتها الجليّة، كما تظهر في كل توجهاتها، تسعى نحو إيجاد بيئة محفزة للموهبة والإبداع، وتعزيز الشغف بالعلوم والمعرفة لبناء قادة المستقبل وخدمة الإنسانية عبر قيم التميز، الإبداع، التعاون والثقة، ومن خلال أهدافها وتطوير خططها الإستراتيجية في رعاية الموهبة والإبداع، ودعم الابتكار استرشادًا بأفضل التجارب العالمية وبإسهام خبراء دوليين ومحليين. والمؤسسة، وهي تنهض بهذا الدور، أضافت إلى أهدافها الإسهام الفاعل في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030م، وبناء الإنسان أينما كان والاستثمار في قدرته وإمكاناته، وما يزخر به من طاقات كبيرة ومبدعة في شتى المجالات.
لكن ماذا يعني أن يكون هناك 83 جائزة من آيسف يحصدها الطلبة السعوديون من الجنسين منذ مشاركة المملكة العربية السعودية وحتى اليوم؟ ليس هناك كبير عناء في سبيل الإجابة عن سؤال مثل هذا، ويمكن القول: إن ذلك يعني أن هناك جهودًا كبيرة وحقيقية وراء هذه الإنجازات التي نرجو الله ألا تتوقف لأن هناك فرق عمل من رجال ونساء مخلصين يعملون بكل جهد واجتهاد للحفاظ على التميز، ورفع راية التوحيد في كل محفل دولي علمي وسوف تتوج – إن شاء الله – عامًا بعد عام نجاحات سعودية مهمة لتؤكد قاعدة مهمة، وهي أن الموهوبين يحتاجون إلى من يدعمهم ويقف بجانبهم ويوجههم ويساعدهم على الإبداع والتميز، ويقوي دعائم نهضة علمية وطنية سوف تستمر جذوتها ولن تنطفئ؛ لأن هناك موهبة وهناك مؤسسة باسم المؤسس الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين.
ويبقى السؤال الأهم – من وجهة نظري في الأقل – كيف يمكن استثمار هذه النجاحات لبناء صورة جديدة غير تلك الصورة النمطية عن الشباب السعودي بشكل خاص والمجتمع السعودي بشكل عام التي تعززها، بدون دراسة لتبعاتها، وسائل التواصل الاجتماعي، وهو محور حديثي في المقال القادم بحول الله تعالى.
*جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل