خلق الله عز وجل الميكروبات الحيوية الدقيقة (Microbiota) لكي تتواجد وتتكاثر في جميع أجهزة جسم الإنسان وأكثرها تواجداً في الأمعاء الدقيقة بنحو تريليون ميكروباً، ونسبة تواجدها في الجهاز الهضمي هو 29%، يليها الفم 26%، ثم الجلد 21%، والشعب الهوائية 14%، والجهاز التناسلي 9%.
وقد يتساءل البعض ما هي فوائد الميكروبات النافعة في الجسم؟
والإجابة بالطبع هي أن هناك فوائد عديدة للميكروبات النافعة وهي:
تحمي الإنسان من أمراض الجهاز الهضمي ومن الكثير من الأمراض المزمنة، تحفظ الجهاز المناعي من التغيرات الناشئة عن بعض العوامل البيئية والتي قد يترتب عنها أمراض المناعة الذاتية، تساعد في إفراز هرمونات الجهاز الهضمي البيبتيدية والتي لها دور مهم في جسم الإنسان، تساعد على تصنيع فيتامين (ك) وحمض الفوليك وفيتامين (ب12)، بجانب إنتاج الدهون القصيرة التي قد تساعد على الحماية من بعض الأمراض.
وعندما تتحول البكتيريا النافعة إلى ضارة بسبب عوامل عديدة منها بيئية أو جينية ينتج عنها العديد من الأمراض المزمنة وتسمى هذه العملية “DYSBIOSIS”.
لو تذكرنا الحكمة التي قالها طبيب العرب الحارث بن كلدة: “المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء” والحديث النبوي (مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) رواه الترمذي وصححه الألباني، والطبيب المشهور أفلاطون عندما قال “كل الأمراض التي تصيب الإنسان منشأها الأمعاء” مما يشير دور الميكروبات الحيوية الدقيقة في الأمعاء في الحماية من أو ظهور ونشأة الأمراض.
أما العوامل الجينية والبيئية التي تغير من كون الميكروبات الحيوية نافعة إلى ضارة فهي:
– الاستعداد الجيني: أثبتت الدراسات أنّ العامل الجيني يعتبر من العوامل الأساسية لنشوء كثير من الأمراض المزمنة فهو يغير التركيب الجيني لهذه الميكروبات النافعة ويحولها إلى ميكروبات ضارة.
– الولادة الطبيعية: تعتبر أفضل من العمليات القيصرية في تقوية الميكروبات النافعة وحمايتها للطفل مستقبلاً.
– البيئة المحيطة بالطفل: البيئة الحيوية تختلف عن البيئة الملوثة.
– الرضاعة الطبيعية: أثبتت الدراسات أن الرضاعة الطبيعية لها دور كبير في تعزيز الميكروبات النافعة والتقليل من الميكروبات الضارة ليس فقط خلال فترة الرضاعة وإنما على مدار حياة الطفل مستقبلاً.
– استخدام المضادات الحيوية: يقلل من الميكروبات النافعة ويزيد من الميكروبات الضارة.
– صحة الأم خلال فترة الحمل: الأم الزائد وزنها قبل أو خلال فترة الحمل يؤدي ذلك إلى تغيير الميكروبات الخاصة بالجنين وهو داخل رحم أمه من نافعة إلى ضارة.
– تنويم الطفل في المستشفى: الأطفال الذين يمكثون في المستشفى تكون الميكروبات النافعة لديهم أقل بكثير من الأطفال الذين لا يمكثون في المستشفى.
– الغذاء الصحي: الغذاء الصحي الغني بالألياف له دور في حماية الإنسان من الأمراض وذلك لأنه يعزز من الميكروبات الحيوية النافعة ويقلل من الميكروبات الضارة على عكس الأكل الغني بالسعرات الحرارية والدهون.
– الإصابة بالأمراض المزمنة: تقلل من الميكروبات النافعة.
– التقدم في العمر: يقلل من الميكروبات النافعة ويزيد من الميكروبات الضارة وبالتالي عندما يتقدم عمر الإنسان يكون معرض للأمراض أكثر وخصوصاً لا قدّر الله السرطانات، والحساسية والسمنة والسكري .
-الرياضة: لها دور كبير في المحافظة على الميكروبات النافعة وعدم تحولها إلى ميكروبات ضارة.
وحديثاً ثبت علمياً أن الميكروبات المعوية المتحولة من كونها نافعة إلى ضارة بسبب العوامل السابق ذكرها وقد تم الحصول على هذ الأدلة من عدة دراسات استنساخ الجينات المتسلسلة ونماذج الفئران وأظهرت هذه الدراسات أن جسم الإنسان والميكروبات المعوية لديها تفاعلات مفيدة على قدم المساواة مع الميكروبات الضارة بمعنى أن الجهاز الهضمي للإنسان يحتوي على الميكروبات النافعة والميكروبات الضارة، فإذا زادت نسبة الضارة ظهرت الأمراض المزمنة ومنها (السمنة، السكري سواء كان النمط الاول أو الثاني، متلازمة الأيض، أمراض المناعة الذاتية، الأمراض النفسية والسلوكية وغيرها من العديد من الأمراض الذي يعتقد منشئها من الجهاز الهضمي).
أختم حديثي بـ “الوقاية خير من العلاج” فالوقاية تشمل مايلي:
أولاً: الأم قبل حملها لا بد أن تعتني بوزنها وبالنظام الغذائي قبل وخلال فترة الحمل، فهو يلعب دور مهم كما أثبتت الدراسات في المحافظة على الميكروبات النافعة لجنينها.
ثانياً: الولادة الطبيعية وليست القيصرية (إلا إذا استدعى الأمر طبياً).
ثالثاً: الرضاعة الطبيعية وخصوصاً خلال الـ 6 – 12 شهراً الأولى أو كما ذكر في القرآن حولين كاملين ولكن ننبه من الشهر السادس تبدأ الأم بإعطاء الطفل الخضروات والفواكه الغنية بالألياف. رابعاً: زيادة كمية الألياف في وجبات الأطفال والبالغين فالألياف الطبيعية غنية بالكثير من الفوائد وخصوصاً للجهاز الهضمي والميكروبات الحيوية في الجهاز الهضمي.
خامساً: التقليل من استخدام المضادات الحيوية إلا في الضرورة القصوى حيث إنها تقلل من الميكروبات النافعة. سادساً: التقليل من الوجبات الغنية بالدهون والسعرات الحرارية. سابعاً: الإكثار من الرياضة البدنية حيث إنها تعزز من نشاط وتكاثر الميكروبات النافعة.
ثامناً: تناول بعض المحفزات لزيادة ميكروبات الأمعاء النافعة والتي تسمى (بروبيوتيكس أو بريبيوتكس) والتي تساعد على المحافظة على تركيبة الميكروبات المعوية النافعة وهذه التدخلات الغذائية لها أثر واعد بإذن الله في الحماية من الأمراض المزمنة.
* أستاذ واستشاري الغدد الصماء والسكري لدى الأطفال
كلية الطب – جامعة الملك عبدالعزيز
aagha@kau.edu.sa