يُعرف الوهم بأنّه تصورات وأفكار ومعتقدات الفرد الذي يؤمن بصحتها، بدون وجود أي منطق واقعي وعلمي وعقلي يبرر ما يقوم به من أعمال وتصرفات؛ حيث يرى خياله الزائف أن ما يقوم به من أعمال تقع في إطار الحقيقة التي يجب على الناس جميعهم الالتزام بها إما جهلًا بالقوانين والتعاليم الربانية السمحة، وإما نتيجة للتشدد والتطرف الفكري والعقدي بسبب غسيل الأدمغة التي ينتهجها قادة تلك التنظيمات والجماعات، التي ينتمي لها أولئك الموهومين وأنا هنا لست في معرض البحث الفلسفي عن الوهم ومسبباته وأعراضه، بل سأتحدث عن خطر الأوهام التي تعلقت في أذهان معتنقي هذه الأفكار الضلالية، وخطر هذه الأوهام على حياة الناس، والتي قد تصل إلى حد استخدام السلاح، وممارسة القتل بأبشع صوره وطرقه.
ومن خلال السياق السابق، فإن الوهم المتطرف القاتل يصور لكل من يركبون أمواجه بأن في مقدورهم عبر استخدام القوة تشكيل الواقع على هواهم دون الأخذ بعين الاعتبار الثمن الإنساني والمادي الذي يمكن دفعه لتحقيق هذه الأوهام التي تروج لها تلك الجماعات الشيطانية حيث يسيطرون على عقول من ينضم إليهم، ويوهمونهم بأنهم قادرون على امتلاك السلطة السياسية، وإيقاع ضحاياهم في دائرة الأحلام من خلال تصوير الكرامات التي ظهرت على كل من نفذوا عمليات متطرفة، وذلك عبر مشاهد تمثيلية مزيفة تصوَّر الميت منهم بابتسامة تعلو وجنتيه، وتظهره وهو ينطق الشهادة من أجل تحقيق غايتهم لاستنساخ مراهقين وشباب مندفعين نحو الشهادة والجنة؟!
وللأسف فإن البعض من أبناء وطننا انساقوا خلف هذه الأوهام، رغم كل المناشدات والفرص التي قدمتها لهم الجهات الأمنية ومطالبتهم بتسليم أنفسهم، إلا أنهم استمروا في جهلهم وأصبحوا أعداء لنا وخطرًا علينا عندما باعوا أرواحهم لزمرة الشيطان وباتوا ينظرون إلينا بطريقتهم المختلفة؛ حيث أصبحنا في نظرهم مثل كفار قريش ونصبوا أنفسهم حكام وقضاة وجلادين، وأصبح يزعجهم الأمان الذي نعيشه في وطننا المعطاء، وما تفجير الإرهابي الهالك عبدالله الشهري لنفسه قبل أيام إلا أنموذج حي لأولئك الجهلاء الذين سيطرت عليهم هذه التنظيمات وجذبتهم إليها، وجعلتهم مجرد أدوات يحركونها كيفما يشاؤون وإلا أي عقل وأي دين يجعل هؤلاء الجهلة يقدمون على الانتحار؟! أليس الانتحار محرمًا لو كانوا يتفكّرون أو يتدبرون قبل أن يفجروا أنفسهم وسط الناس ويزهقون أرواحهم وأرواح الأبرياء، أم أن لهم دينًا غير ديننا يحلل ما حرمه الله في جميع شرائعه السماوية التي حفظت للإنسان روحه وعقله وممتلكاته دون أي استثناء.
وختام القول.. فإن الإرهاب ظاهرة معقدة متعددة الأسباب لا يمكن اختزالها فى أسباب معينة؛ لأن الإرهاب بات مثل البائع المتجول الذي يتجول من مكان إلى مكان لكن شخصيته تتجسّد في مصاص دماء يقتل ضحاياه دون رحمة أو شفقة في أي مكان وفي كل زمان، ولذلك فإن الحرب الناجعة لمواجهة الإرهاب والمتطرفين يجب أن تعتمد على عنصر المفاجأة، ووضع تصورات قبلية لمواجهة تفكيرهم، ومعرفة كيف يدبرون خططهم حتى تتمكن الجهات الأمنية ذات العلاقة من مداهمة أوكارهم، وشل طريقة تفكيرهم ووسائل تدبيرهم، على حد سواء، لتسهل عملية الوصول إليهم، والقبض عليهم دون أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات.
وخزة قلم..
من يتجرأ على قتل أبيه وأمه تحت ذريعة الجهاد والتكفير، ستكون عنده دماء الآخرين أرخص من ذلك بكثير !