لأول مرة في حياتي افصح عن هذا السر، فقد كان لي ماضي في تعاطي المخدرات، وكان يعلم عن ذلك الماضي رفقاء التعاطي فقط، ثم تعالجت وأقلعت وتبت وتزوجت وأخفيت ماضيّ الأليم ذلك عن زوجتي وأبنائي، ولكن المشكلة المؤرقة والمتكررة، التي لا زالت تواجهني وباقية من أرشيف الماضي إلى يومنا هذا، وتعكر صفو حياتي، هي أني عندما أكون بصحبة ابني وأقابل بعض من أولئك الرفقاء الذين منهم من تاب ولكن البعض لا يزالون مستمرين في التعاطي، ” ما علينا ” المهم في الموضوع هو أني عندما أكون برفقة ابني الشاب أقابل البعض مثلاً إما في الحي أو في البقالة، فيقومون بتقديم التحذير والتنبيه لإبني بأن لا يكون مثلي كما كنت في الماضي في أيام شبابي، فبدلاً من أن يرشدوه بأن يكون صالحاً مثل أبيه الآن، يحذروه بأن لا يكون ضالاً كما كان أبوه سابقاً، وهذا من شأنه يثير علامات استغراب ابني نحوي والفضول لمعرفة ماذا كنت أفعل في الماضي فيحرجني باستفساراته، وأحياناً كان يقتنع بردودي “المرقعة” وأحياناً لا يقتنع، وهذا الموقف قد يوتر العلاقة بيننا، وقد يفتضح أمري وسري، وقد يشجع ابني على سلوك مسلك والده في الماضي، وتقليده والاقتداء به، وقد تكون نتيجة ذلك الموقف عكسية على المتعافي وينتكس.
كما أن البعض من أفراد المجتمع يتعاملون بجزئية كبيرة مع الشخصية القديمة للمدمن، ولا يتعاملون مع واقعه الحالي كمتعافي وتائب، فمثلاً عندما يقوم المتعافي بتقديم النصح والإرشاد لمعارفه من أفراد المجتمع ممن هم يعرفون عن ماضيه فيردون عليه بعبارات قاسية وجارحة وهدامة كهذه :
“انت نسيت ايش كنت”
” أنا أعرف تاريخك”
” أنا فيه معلوم أنت ايه” بلهجة اخواننا الباكستانيين المعربة.
أليس كان للصحابة قبل الإسلام تاريخ في معاقرة الخمور، ولكن بعد الإسلام انتهوا بمجرد نزول آية تحريمها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فقاموا على الفور وأهرقوها حتى سالت الخمور في طرقات المدينة.
أليس الله يتوب على من تاب وليس ذلك فحسب بل يبدل الله سيئات التائب إلى حسنات، فقد قال تعالى : (إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَٰلِحًا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمْ حَسَنَٰتٍۢ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) .
وفي موقف آخر من أرشيفي، وبعد ما يقارب خمسة وعشرين عاماً قابلت في السوبر ماركت رفيق سوء سابق من رفقاء التعاطي وكان بصحبته ابنتيه الصغيرتين فلم أعرفه من أول وهله كوني لم أره من فترة زمنية طويلة، حيث كبرنا وشبنا وتغيرت أشكالنا، فدار بيني وبينه حوار بصوت عال فكان يحاول تذكيري به متسائلاً، هل نسيت لما كنا نسكر سوا ؟! فبصوته المرتفع شد انتباه وسمع صغيرتيه والمتسوقين والمحاسبين، وكانت الفضيحة بجلاجل، ولهذا المثل قصة من قديم الزمان، مختصرها، أن قاضي أمر بربط جلاجل (أجراس) برقبة سارق، عقاباً له ، ثم يجعلونه يجلس على حمار جلوسًا خلفيًا، حتى يلفت انتباه الجميع إليه حين يسير به الحمار في البلدة .
المواقف السابقة من أرشيف مدمن مخدرات سابق ومتعافي حالياً، تلقيتها منه شخصياً قبل أسبوع من خلال رسالة صوتية مبعوثة إلى هاتفي الجوال، وسبق أن تعالج في مستشفى الأمل بجدة سابقاً -مجمع إرادة للصحة النفسية بجدة حالياً- عندما كنت من منسوبي المستشفى وأحد المعالجين لهذا الأخ العزيز الذي رزقه الله بعد التوبة الصحة والعافية والاستقرار النفسي والأسري، وفتح عليه من بركاته وتوفيقه، ورزقه من واسع رزقه وفضله، بارك الله له وثبته، فقد قال الله تعالى:(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا).
مستشار أسري واجتماعي
بمستشفى الملك فيصل بمكة المكرمة
عبدالرحمن حسن جان
للتواصل مع الكاتب:
Abdulrahmanhjan@gmail.com