شخصية الأبناء الناضجة المتوازنة وأفكارهم المرتبة السليمة…وإرادتهم الواعية يُنميها الحوار الأسري. فالأب الذي يؤمن بالديمقراطية داخل البيت؛ فيسمح لأولاده بإبداء رأيهم في كل ما يخصهم ويخص أسرتهم من أمور ومشاكل يستطيع أن يتفهمها، وتتيح له سنوات عمره أن يناقشها دون خوف من خطأ يُلام عليه، والأم التي تحتضن آراء أولادها، وتجدها فرصة كبيرة للتعرف على أفكارهم ووجهات نظرهم، وتصحح لهم بهدوء الخاطئ منها، وتوجهه لما فيه صالحه.
وتدريجيًا يتولى الوالدان الخروج بأفكار الأبناء إلى المجتمع الكبير بتبسيط، وشرح كل المعاني والمفاهيم الكبيرة التي يسمع عنها، ويقصر فهمه عن إدراكها…مثل هذا الأسلوب التربوي السليم من الوالدين يُعود الأبناء الشجاعة في التعبير عما يجول بفكرهم من أفكار، ويعلمه كيف تكون المناقشة الهادئة المثمرة؛ بحيث يأخذ كل فرد من أفراد العائلة فرصته كاملة في التحدث عن رأيه، ويعطي للآخرين نفس الحق، وتختلف الآراء وتتعارض لكن على كل منهم أن يحترم الرأي المعارض؛ فلا يُهينه ولا يسفهه.
والفارق كبير بين مثل هذا الأسلوب في تربية الأبناء وبين أسلوب آخر يتحوَّل فيه نظام البيت إلى ديكتاتورية تُدين بالرأي الواحد والفكر الواحد والإرادة الواحدة المتصرفة في كل شيء… فإذا نظرت إليه الأم نظرات نارية، وألهبه الأب بسياط الكلمات فيجف حلقه ويرتج عقله، وتهرب منه الأفكار ويعجز نهائيًا عن النطق.. ولو فتح الله عليه بما يقوله لتعرض للسخرية واللوم والتوبيخ.. وبتكرار هذه التصرفات تقتل في الابن كل رغبة في المناقشة أو الحوار أو إبداء الرأي، ويكبر وقد حُرم من أكبر نعمة، وهي المشاركة في اتخاذ القرارات والتدرب على تحمل المسؤولية، حيث يجب أن يتوفر له المناخ الصحي للنضج الاجتماعي.
ومن السهل خلال المناقشات العابرة في الأماكن العامة أن تكشف عن الأشخاص الذين وجدوا حسن الرعاية والعناية، ودربوا على الأسلوب السليم للمناقشة والحوار المنطقي السليم، وبين أولئك الذين كانوا ضحية آباء حرموهم من هذه النعمة؛ فهم لا يستطيعون التعبير عن أفكارهم بعبارات واضحة سليمة ولا بتسلسل منطقي، ولا يصمدون للمناقشة بل سرعان ما ينسحبون دون أن يستفيدوا أو يفيدوا.
لذا يجب الاهتمام بتربية الصغار صحيًا ونفسيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا، فالأسرة هي نواة المجتمع، وعليها تقع مسؤولية خلق جيل يساعد على تقدم المجتمع ورفع شأنه.
0