المقالات

فقيد القضاء.!

(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً..)

فقدت بلادنا بالأمس القريب، القاضي الأديب، الشّيخ الفاضل زايد بن أحمد الحارثي، رئيس المحكمة المستعجلة الأسبق بمكةالمكرمة، وهو القاضي النّبيه الذي عرف في دوائر القضاء بسرعة البديهة، وملكة الحفظ، وسلامة الأداء، وسرعة الإنجاز،والحفاظ على الحقوق العامة والخاصة.

        ***

ويعتبر القاضي الحارثيشاهد عصر، فقد عاصر على مدى نصف قرنتطور القضاء في بلادنا، وأصبح من خبرائه،والمراجع فيه، المحافظين على استقلاليته، والداعمين لنزاهته، ولعلو سلطانه.

وقد أكسبه تدرّجه في السلّم القضائي خبرة واسعة، فكان يغلّب مبدأ الصّلح بين المتخاصمين، لميزته في حفظ الحق، وصيانةالودّ، خاصة في قضايا الأحوال الشّخصيّة والأسرية، لضمان بقاء الكيان الأسري متماسكًا، والود بين أفراد الأسرة الواحدةمحفوظاً.

          ***

وفي مجال التكوين الذّاتي، اتّسمت شخصيّة القاضي الحارثي بالوسطيّة والاعتدال، ومنطقيّة الاستدلال، وحسن الاستشهاد،من القرآن الكريم والسّنة المطهّرة، والشّعر والنّثر، وتراث العرب.

وامتاز مجلسه بلطيف الكلام، وبالقصص والعبر، وبموثوق الرّواية، وجمال الطّرفة، والملحة، والدّعابة.

يقول أحد العارفين بالشّيخ:

(لا نُزكي على الله أحدًا، لكننا شهود الله فى أرضه، بما رأينا منه ولمسنا وسمعنا منه من مآثر حميدة وسيرة جليلة، وأخلاقفاضلة، وعطاء محمود، وصفات كريمة، وذكر حسن، وصلاح وتُقى).

           ***

وللشّيخ اهتمام  بالتّاريخ فقد وثّقشعرًا ونثرًاالكثير من جوانب التاريخ المعاصر، وحفظ بقلمه الإنجازات الوطنية المهمة.

وبحكم الوظيفة جمعتنا بفضيلته مناسبات كثيرة، كان الحديث يبدأ فيها منه، وينتهي إليه، ولا تفوته فرصة فيها مجال للنّصحوالتّوجيه إلّا وظّفها، ليحث من تولى الشّأن العام على تجويد الخدمة، وتصحيح المسار، والاهتمام بالشباب، وبالموروث الغنيبالقيم والتّجارب النّافعة.   

         ***

ورغم أن الشّيخ قضى جلّ حياته في المدينة، إلا أنه لم يبتعد عن مسقط رأسه “ميسان” حاضرة بني الحارث، فقد محض تلكالجهة العزيزة على قلبه، اخلاصه ونصحه وعطائه، فكان مقصدًا لأهلهاولغيرهمفي بذل الجاه، وإسداء المعروف،وإصلاح ذات البين، ورعاية الضّعفاء، وخدمة  المعوزين، فعلاوة على انتساب الشيخ لمهنة القضاء الشريفة، إلا أنه وجيه مجتمعمرموق، وصاحب رأي مسموع، ومنبع للفضل ووعاء الكرم والجود.

تولّى وأبقى بيننا طِيْب ذِكْره..

كباقي ضياء الشّمس حين تغيب.

          ***

لقد غادر الشّيخ القاضي حياتنا الفانية الى رب رؤوف رحيم تاركًا لوطنه ولأسرته سيرة عطرة، وتراثًا، مكتوبًا، ومحكيًا، ومنقولًا،وإنجازات شخصيّة ملهمة للأبناء والأحفاد.

هنيئًا له قد طاب حيـًا وميتًا..

فما كان محتاجًا لتطييب أكفان..

         ***

اللّهم ارحم تلك النّفس الزّكيّة التي فارقت الدّنيا وانتقلت إلى جوارك.

اللهم ارحم فقيد القضاء والحكمة والمروءة الشّيخ زايد بن أحمد الحارثي، وأجمعنا به ووالدينا في مستقرّ رحمتك.

          ***

العزاء وكريم المواساة  لأبناء الفقيد، لاسرته، لمجتمع القضاء، لقبيلته، لمحبيه، لكل من أصيب فيه، لنا جميعًا.

إنّا لله وإنّا إليه راجعون..

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button