قال صاحبي: يمرُّ العراق هذه الأيام بمنعطف مهم من تاريخه السياسي الحديث، وتترنح سفينته بين أمواج متلاطمة، وريح مثيرة للقلق والترقب، فأين سترسو سفينة العراق، ولماذا اتجهت البوصلة تجاه الرياض، وما النهاية المنتظرة لهذا الصراع؟
المُتتبع للمشهد السياسي والإعلامي في مختلف دول العالم، لا تكاد تخطئ عينه رؤية التحول الكبير عن الوسائل الإعلامية -الحقيقية التي يسميها البعض بالإعلام التقليدي-، إلى وسائل أخرى تمتلك ميزات وخصائص لا تمتلكها الوسائل الأخرى ومنها تفضيل الجمهور العريض لاستخدامها والاعتماد عليها، فوسائل التواصل الاجتماعي صارت هي المفضلة، والجاذبة لدى المتلقي بما أتاحته له من إمكانية الإنتاج والتخزين والتداول والأهم إمكانية التفاعل بين كافة المستخدمين الذين لم يعودوا أوعية مستقبلة، بل مشاركة ومتفاعل وصانعة للمحتوى، وجاذبة لجمهور عريض.
ونظرًا لأن مستخدمي شبكة الإنترنت بشكل عام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص منتشرون في جميع أنحاء العالم، فإن الاعتماد عليها لا يكتسب طابعًا محليًا بقدر ما يكتسب طابعًا عالميًا في نفس الوقت، وبالتالي فإن تأثيرها على الرأي العام يتجاوز المحلي إلى العالمي، وأضحت الوسيلة الأبرز في تشكيل الرأي العام، وقيادته، ومن ثم حدوث التعبئة والتجنيد والتأييد لصانع المحتوى، الذي تنوّعت أشكاله من نص أو صوت أو صورة أو فيديو، أو غيرها، ساهمت في إنتاج مضامين جاذبة سهلة التخزين والتداول والتفاعل معها.
ويعد مواقع الفيسبوك وتويتر من أهم وسائل الاتصال الاجتماعي التي فرضت نفسها في الآونة الأخيرة، وازدادت أهميتها بعدما لجأ إليهما السياسيون لتعبئة الاتباع، وحشد التأييد وكسب أصوات الناخبين ومحاربة الخصوم، فتحولت ساحة الإعلام الرقمي لميدان للحرب الافتراضية بين الخصوم، ولم يكن العراق خارج هذا التحول، فالوضع في العراق يختلف عن غيره من الدول العربية، فوسائل الإعلام مملوكة لأحزاب سياسية ودينية أغلبها مدعوم من الخارج، ولكنها تعيش مرحلة عزوف جماهيري، جعلت السياسي يستخدم الوسائل الحديثة من أجل الوصول إلى جمهوره، وجمهور خصومه.
فالتسريبات الصادرة عن المالكي مثلًا حرّكت الشارع العراقي بعد اكتشاف فساده وإهداره لأموال الشعب، ومن ناحية أخرى أثارت غضب السياسيين وأتباعهم بعد أن انتقصهم المالكي عبر التسريب الذي حاول التنصل منه لخطورته العالية التي قد تؤدي إلى صدام مسلح، فالمتأمل في التسريب يكشف عما يخططه المالكي لأصدقائه قبل خصومه، خصوصًا بعد تأكيد خبراء في التقنية صحة التسجيلات، عكس ما زعمه المالكي بأنها مفبركة!
ولم تكد تنتهي صدمة الشارع العام العراقي من هذه التسريبات، حتى اندلعت شرارة حرب التصريحات الإلكترونية بين مقتدى الصدر وقيس الخزعلي، وبدأت التراشق بالاتهامات عبر العديد من المعرفات الوهمية، والشخصيات الشبحية (الذباب الإلكتروني)، وربما يدخل على خط الصراع الإلكتروني أطراف أخرى من الإطار التنسيقي، وهو ما قد يهدد بنقله من الواقع الافتراضي إلى أرض الواقع، خصوصًا بعد وصول الصراع لمرحلة كسر العظم واللاعودة.
هنا فقط استدارت بوصلة الفرقاء في التوجه نحو عاصمة القرار العربي، بيت العرب الكبير، الرياض، التي استقبلت عمار الحكيم في جدة، طالبًا التوسط في نزع فتيل الأزمة قبيل انفجارها، ولأن الرياض تدرك أبعاد هذه الصراع بين قطبي الرحى، وأن الداخل بينهما مفقود، ولن يسلم حتى من النيران الصديقة، فهي سوف تغلب حكمتها في التعامل مع هذه الحالة، من خلال أمرين، هما: الوقوف على مساحة واحدة من الجميع، وأن تدخلها سيكون من خلال أخوتها العربية، ودعوتها لكافة الفرقاء باستبدال حوار السلاح، بسلاح الحوار.
هذا الصراع وضع العراق أمام مفترق طرق، عليه أن يسلك أحدها؛ إما أن يتوافق الفرقاء على حل الخلاف بينهما، وهذا ليس بالأمر المستحيل، ولكنه صعب، وإما بإعادة العراق تحت الفصل السابع، بعد إحاطة المبعوثة الأممية في العراق “جنين بلاسخات” مجلس الأمن، وتوصيتها بتشكيل حكومة إنقاذ وطنية، وبهذا يعود العراق لعهد وصاية برايمر، ويدخل النفق المظلم الذي لم يغادره إلا قريبًا!
وأخيرًا الصدام المسلح، ودخول العراق في حرب أهلية، وهذا مالا أتمناه، ولكنه الأقرب، وأخيرًا تبقى السياسة والحب كل شيء فيهما جائزًا ومحتملًا.
قلت لصاحبي:
إن لم ترسُ سفينة العراق على الجودي؛ فسترسو على جماجم الأبرياء!.