نشهد اليوم كثيرًا من التطور في المشاريع العقارية في السعودية سواء من الناحية السياحية أو الترفيهية أو السكنية أو التجارية، وكلها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمعاملات العقارية، التي بدورها نشهد بتطور أنظمتها، وآخرها ما تم إصداره من أنظمة التعامل للوساطة العقارية من قبل الهيئة العامة للعقار. والحق أن النظام قد حلّ الكثير من المشاكل والصعوبات، كتوحيد العقود العقارية وإنشاء العقود الإلكترونية، ووضع أنظمة التسويق الإلكتروني، ولكن تبقى هناك بعض الثغرات التي مازالت تحد منسلاسة هذا التعامل.
فلا بد أن نضع في الاعتبار أن العلاقة العقارية هي عبارة عن علاقة بين ثلاثة عناصر أساسية، لا يمكن تجاهل أهمية أيمنها، هي:
– مالك العقار.
– الوسيط العقاري.
– المنتفع بالعقار (المستأجر– المشتري).
المعادلة الناجحة
ولتحقيق التعامل السوي لا بد من التوازن بين جميع الأطراف؛ لتكون لدينا نتيجة معادلة ناجحة.
فلا يمكن أن نركز على أحد هذه الأطراف دون الآخر، ولا يمكن تطبيق النظام في حال كان أحد هذه الأطراف غير ملتزم. وكمثال، في حال التزام طرف واحد فقط كالوسيط العقاري أو طرفين، الوسيط والمشتري، ولم يلتزم الطرف الثالث، المالك،فسوف نعود لأصل المشكلة، ويتم بذلك اختلال توازن العلاقة العقارية الثلاثية.
يضع النظام العقاري المحدث في الوقت الحالي شروطًا وأنظمة والتزامات قوية على الشركة العقارية أو الوسيط العقاري. ومنذلك التزام الوسيط بتوقيع اتفاقية تسويق، أو تفويض بالبيع أو الشراء، من العميل.
ولكن ما يحدث على أرض الواقع أنه في حال رغبة الشركة العقارية أو الوسيط العقاري بتنظيم المعاملة حسب النظام بتوقيعاتفاقية، فغالبًا ما يتهرب صاحب العقار أو طالبه من ذلك، ويقوم بالبحث عن وسيط عقاري آخر لا يلزمه بالنظام. وهنا تصبحالنتيجة سلبية للمعادلة، ويصبح الوسيط العقاري (الملتزم بالنظام) طرفًا خاسرًا كل ما فعله هو أنه خسر عميلًا ليكسبه وسيط عقاري آخر سمح بتجاوز النظام والرجوع إلى الآلية القديمة العشوائية في التعامل.
لا بد من تثقيف ملاك العقار عن إيجابية الالتزام بتخصيص قنوات التعامل بعكس الفكر السائد عن أضرارها الوهمية علىالمالك وعقاره والعائد عليه، ولاجتياز الحاجز النفسي لملاك العقار الذي يدفعه للمرور على عدد كبير من المكاتب العقارية، بدلًامن مكتب واحد، بظن أن هذا يشعل المنافسة، ويعدد الخيارات ويزيد من فرص البيع، وهو لا يدري أن في هذا التصرفأضرارًا لنفسه وضياعًا لوقته وتشتيتًا لعقاره.
التوصيات
لاكتمال التوازن في العلاقة العقارية الثلاثية بين الأطراف الثلاثة (مالك العقار – الوسيط العقاري – المنتفع بالعقار) لا بد منوضع شروط إلزامية لجميع الأطراف وليس لطرف دون الآخر، والمقصود هنا هو إلزام المالك للعقار بالتسويق الحصري لمدةمعينة لكيان عقاري واحد، وحسب فعاليتهم يحق له التجديد أو اختيار بديل.
من هذه التوصية يتحقق الآتي:
– وضع سعر متوازن للعقار من قبل الوسيط المختص لأجل عدم المبالغة أو البخس لقيمة العقار؛ وذاك بناء على خبرة دونالتلاعب والتوهم في قيمة العقار وعرضه بعشوائية.
– مصداقية في التعامل وعدم ضياع الجهود المبذولة من قبل أي طرف من الأطراف.
– تحقيق إنجاز وسرعة أكبر في هذا المجال من خلال التنظيم والقنوات المختصة.
– تحقيق التعاون الاحترافي بين الشركات والوسطاء العقاريين بما يخدم المجال العقاري والمتعاملين فيه.
– المنافسة لأجل رفع معيار الجودة، والبقاء للأصلح والأفضل.
– “التوطين” كنتيجة لزيادة دخل الممتهنين، مما يساهم بشكل كبير في دعم المكاتب العقارية. فأغلبية المكاتب لا توفر رواتببسبب عدم ضمان الدخل نتيجة لفوضى التعاملات. فتنظيم العقود مع العملاء يحل المشكلة لحد كبير. وفي ذلك تحقيق لهدفأساسي من أهداف الرؤية السعودية.
أمثلة عالمية
يمكن أن نأخذ على سبيل المثال النظام العقاري البريطاني حيث إن طالب البيع أو الشراء يقوم بدفع مبلغ إلزامي، وعملاتفاقية إلزامية “Listing Fee”، وهذا يثبت جدية الأطراف في التعامل وعدم التلاعب وإضاعة الوقت لأي طرف منالأطراف.
فكم مرة سمعنا عن بائع عقار تراجع عن بيعه بعد أن استلم الوسيط عربون أرضه !
وكم من بائع عقار غيّر رأيه في السعر بعد أن تم الاتفاق مع المشتري وطلب زيادة في قيمة عقاره!
وكم من مشترٍ لعقار تواجع عن الشراء والبائع بانتظاره عند الموثق لإفراغ العقار !
وكم من وسيط ضاع وقته وجهده وماله بين طرفين أحدهما غير جدي أو كلاهما !
وكم من إحباط أصاب العقاري بعد بذله كل مجهود لأجل عميل استنفذت جميع أنواع طاقاته، وبعدها يصدم بخبر إتمامالمعاملة عن طريق مكتب عقاري مجاور!
ليس كل من اشترى عقارًا عقاريًا
مع احترامي للجميع، فلكل مهنة تخصصها، فكما المهندس أو الطبيب أو المحامي، هناك العقاري. ومع اختلاف المهن، إلا أنلكل منهم تخصصًا لا بد من احترامه وتقديره. فالطبيب يحترم في وصفته، والمهندس يحترم في تكنيك عمله، والوسيط العقاريالموثوق كذلك لا بد أن تحترم خبرته. فهو يقدم استشارة بناء على خبرة سنوات ودورات ودراسة واشتراطات تأهيلية، ومعاحترامي للجميع، فمن الخطأ الظن أن العقار هو مهنة من لا مهنة له. فهذه النظرية هي من مسببات العشوائية التي سبقتالأنظمة الحديثة.
اعتماد مفاتيح الثقة
الهيئة العُليا للعقار والنظام الحالي يلزم العقاري المرخص بخبرة واشتراطات والتزامات، وتفاعل مع آليات النظام الحديثتؤهله للفتوى في مجاله. فإذا اقتنع العميل العقاري بهذا المفهوم، لا بد من أن يراجع نفسه ويراجع اختياره للوسيط العقاريالموثوق. فليس كل من أفتى في العقار عقاريًا، وليس كل اشترى أو باع عقاريًا، ولا بد من الاستفهام والاستعلام من خلالمفاتيح الثقة التالية:
الخبرة – المصداقية – الموقع – الاعتماد والرخصة العقارية ككيان أو كممتهن.
وأخيرًا أؤكد أن العلاقة العقارية مثلها مثل أي علاقة حيوية لا بد من التوازن بين أطرافها للوصول إلى النجاح والمكسب العادلللجميع.
* خبيرة عقارية
Twitter: @shoroqalsuliman
Email: sh.j.alsulaiman@gmail.com