تُعد العلاقة المتبادلة بين التعليم والاقتصاد علاقة أزلية، بدأت منذ أن بدأ الإنسان ينظم أمور حياته اليومية، ويكوّن معارف ذات علاقة مباشرة بمتغيرات الاقتصاد مثل: العرض والطلب والسعر، ومع تشعُّب مناحي الحياة وتعقدها؛ وخاصة بعد بروز الحاجة الماسة لإنتاج المعرفة ضمن مجتمع مستهلك لها، يتعامل مع الحصيلة المالية العائدة من تكوين الرأسمال البشري، ويهتم بمواءمة التعليم مع سوق العمل، ويقدّر أثر الاستثمار في الأفراد كيف لا، وهم اللبنة الأولى في نهضة الأمم.
من هذا المنطلق وجدت الدول نفسها معنية بتمويل التعليم ودراسة النواحي الاقتصادية فيه، وظهرت لنا بوابة تسمى “اقتصاديات التعليم” كواحدة من أهم فروع الاقتصاد، وتمحورت تلك البوابة حول التعليم، وتدريب الكوادر الباحثة عن العمل، وإيجاد النسبة والتناسب بين الكلفة والعائد، ومردود ذلك على الوطن والمواطن حتى وصلنا إلى قناعة بأن التعليم أصبح صناعة مربحة؛ مما استوجب وجود تنظيم للاستثمار في التعليم؛ لتحقيق نتائج جيدة على المستويات المالية والعلمية على حدٍ سواء.
وقياسًا على ذلك؛ فقد سعت العديد من دول العالم لتطبيق طرق الاستثمار الرائدة في مجال الأعمال، وتطويعها بما يتناسب مع التعليم، ومن تلك الطرق طريقة عرّاب الاقتصاد العالمي والخبير المالي المعروف “وران بافيت” رابع أثرياء المعمورة، وواضع قواعد الاستثمار، التي تعد بمثابة دليل نسترشد به في سوق الاستثمار بالتعليم، وأولى تلك القواعد الابتعاد عن التركيز على مجال واحد بالاستثمار في مجال التعليم عملًا بقاعدته الشهيرة (لا تضع البيض في سلة واحدة)؛ وبخاصة في ظل المطالب المستمرة بتطوير التعليم وتحسين مستوى أداء مؤسساته ورفع كفاءتها، نتيجة تزايد الطلب الاجتماعي على التعليم، والتغير في حاجات سوق العمل، والانفتاح على العالم وعرض تجارب الدول المختلفة؛ ولا يمكن ذلك إلا بوجود تمويل يتميز بالاستمرارية والتصاعدية، لكي يلبي هذه الاحتياجات.
ووفقًا لـ”وران بافيت”؛ فإن المجالات الاستثمارية عديدة في إطار التعليم؛ فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر جملة من الأطروحات الاقتصادية التي إن بنيت على أساس اقتصادي قويم، فإنها كفيلة بإيجاد المردود المالي والمكسب العالي للتعليم مثل تحويل الطلاب إلى منتجين للمعرفة وليس فقط كمتلقين لها بتعديل المناهج بما يوائم تلك الغاية، ووضع الخطط المستقبلية التي تساهم في تبني اقتصاديات التعليم الإلكتروني، والاستفادة منه على أعلى المستويات الاستثمارية، كما وأن وضع الأسس الصحيحة في طريقة النفقات يجعلنا نقتطف ثمار ذلك سريعًا؛ إذ لا يمكن أن نقوم بالإنفاق على أمور تعليمية ليست ذات مردود مالي أو عملي، وإنما من باب الإنفاق فقط، وفي ذلك تطبيق لقاعدة “وران بافيت” التي تنص على (شرائك الأشياء غير الضرورية سيؤدي إلى بيعك أشيائك الضرورية)؛ ومما يجدر ذكره هنا أن التعليم ممتد من الجيل الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل، وهذا يعطينا المجال لتحقيق قاعدة (الاستثمار طويل الأجل) كما أشار إليها “وارن بافيت”، ومن أفضل أبجديات الاستثمار بالتعليم هو الاستثمار في طالب العلم نفسه من خلال الزج بأساليب تحفيز الثقة بنفس الطالب؛ لإنتاج جيل تعليمي يكون معول بناء في البلد داعمًا لاقتصاده، وهذا يعد طريقة سليمة متوافقة مع قاعدة الاقتصادي الشهير “وارن بافيت” للاستثمار عندما قال: (ثق بنفسك).
0