المقالات

الصيف والمصايف.. الباحة أنموذجًا

في كل عام عندما تشتدُّ حرارة الصيف في قلب المملكة النابض الرياض، وفي مختلف مدنها الكبيرة ومناطقها الممتدة على سهولها وصحاريها وسواحلها تحت لهيب شمس الصيف الحارقة، تلتفت الأنظار إلى المناطق الجبلية الشامخة في جنوبنا الحبيب، وتُشَدّ إليها الرحال للاستمتاع بأجوائها ومناظرها الجميلة، ابتداءً بمحافظة الطائف؛ ومرورًا بمنطقة الباحة وانتهاءً بمنطقة عسير.

هذه المناطق التي حباها الله باعتدال الجو صيفًا ومنحها جمال الطبيعة، وجعل تضاريسها الخلابة جبالًا وأودية تكتسي بالخضرة، وتُعانق الغيم وتلتحف الضباب، وتنعم بالمطر صيفًا كما تنعم به في الشتاء لتكون ملجأ للباحثين عن الطبيعة الساحرة والجو المعتدل في ظل الأمن والأمان الذي تشهده بلادنا الحبيبة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز.

يقول الشاعر الدكتور عبد الواحد بن سعود الزهراني في إحدى قصائده الشهيرة عن الجنوب الحبيب:

الجنوب الوحيد اللي يجية المطر في موسمينا
وأعلى قمة جبل وأقـرب بقاع الجــزيرة للسما

وصيف هذا العام على الرغم من بدايته غير المشجعة في المناطق الجنوبية؛ حيث ساد الغبار في بدايته إلّا أنه أصبح بعد ذلك مميزًا بغزارة الأمطار التي شهدها الموسم ما جعل الأرض في المصايف أشبه ما تكون بحُلّةٍ خضراء زاهية تسر الناظرين، وهو الأمر الذي شجع المصطافين على التوجه لمصايف الجنوب.

وتنافست الجهات ذات الاختصاص في تجهيز المواقع الأثرية ـ القرى والمباني والحصون والأسواق ـ لاستقبال الزوّار، وتقديم مناشط ثقافية وتراثية وشعبية مختلفة لجذب السياح.

وسأتحدث هنا عن منطقة الباحة التي شهدت هذا العام نشاطات سياحية وترفيهية وثقافية مكثفة تحت رعاية أميرها صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبد العزيز، وشملت مهرجان صيف الباحة 2022, ومهرجان الأطاولة التراثي السادس، ومهرجان صيف بالجرشي 43, ومهرجان العسل الدولي الرابع عشر، ومهرجان التمور بالعقيق في نسخته الخامسة، ومهرجان خيرات الباحة الثاني.

وكذلك شهدت القرى التراثية في منطقة الباحة نشاطات فولكلورية وترفيهية مميزة أحيت من خلالها تراث الآباء والأجداد وربطت الحاضر بالماضي؛ لتعزز ارتباط وفخر الجيل الجديد بوطنهم وبماضي آبائهم وأجدادهم، ومن بين القرى التراثية التي اعتنى بها أهلها وشهدت إقبالًا على نشاطاتها هذا العام قرية الأطاولة التراثية، وقرية الملد التراثية، وقرية الموسى التراثية، وقرية بلجرشي التراثية، وقرية عويرة التراثية.

كما شهدت النشاطات التي أقيمت في الأسواق التاريخية أيضًا حضورًا جيدًا، وخصوصًا من أبناء المنطقة المنتشرين في ربوع المملكة الذين قدموا بأسرهم للتمتع بإجازاتهم في فترة الصيف في أجواء المنطقة المعتدلة، ومن هذه الأسواق سوق ربوع قريش بالأطاولة وسوق ربوع الصفح بقرية الصفح التابعة لقبيلة بلخزمر، وغيرهما من الأسواق التاريخية التي كانت تعقد يومًا واحدًا من أيام الأسبوع، وتسمى باسم اليوم (سوق السبت، سوق الأحد، سوق الإثنين، …إلخ) وكان أهالي المنطقة يتنقلون بينها لبيع منتجاتهم وشراء احتياجاتهم وتبادل أخبارهم.

ومن بين المزارات التي شهدت إقبالًا من الزوّار هذا العام قلعة القائد البطل بخروش بن علاس الزهراني التاريخية في قرية الحسن، وقصر الشيخ بن رقوش التاريخي في بني سار، وكذلك المتاحف التي انتشرت في مختلف محافظات المنطقة بجهود فردية مشكورة؛ لتقدم تراث المنطقة وعاداتها وتقاليدها لكل من يرغب في الاطلاع عليها.

والمتنزهات المنتشرة في محافظات المنطقة وتمّ تهيئتها بكل ما يلزم لاستقبال الزوار ـ وفي طليعتها منتزه رغدان، ومنتزه الحسام ـ شهدت نشاطات ترفيهية مختلفة حظيت بإقبال المتنزهين وإعجابهم.

كل تلك النشاطات التراثية والترفيهية الرائعة يقوم عليها شباب المنطقة المتطوعون الذين يعملون بجدٍّ وإخلاص لإمتاع وإسعاد زوارهم، والمكافأة التي ينتظرونها هي الشعور بالغبطة والسرور عندما يرون ردود الأفعال الإيجابية من زوار المنطقة.
……………………………………………….
علي بن هجّاد

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button