الفن…وما جدوااااااه ؟!

ربما لا يرى بعض منا جدوًى من الدخول إلى بهو الفن، بمعناه الشامل، والتنزه بين ردهاته، قاطفين من زهوره ما لذ وطاب،في حدود ما هو متاح، متكئين على عدم أهميته بالنسبة لكثيرين، شغَلهم شقاء الحياة وصعوباتها عن أي تفكير، سوى في مايقيم الأود، أو على تأخره في إظهار ثماره المبتغاة منه، التي لا تُظهر نتائجها إلا على ثلة قليلة ممن يقتربون من حدوده. غيرأن هؤلاء يخطئون، خطأً كبيرًا، في تبنِّيهم وجهة النظر هذه. فالفن، وهذا لا ريب فيه، هو عماد خيمة الحياة التي لا تستقيم مندونه، خاصة وأن الفن يُقوِّم الأذواق والطبائع ويهذبها، وينقيها مما علق بها من شوائب، ويحوِّل الإنسان من إنسان همجيمنغلق الأفق، يمارس كل صنوف العنف الفكري والسلوكي، إلى إنسان متزن، يتسع أفقه لجميع الأفكار والاتجاهات، مختلفًامع بعضها في محبة، ومتفقًا مع بعضها الآخر، دون تعصب أو تزمت.

من ها هنا يبدو الفن ضروريًّا، لا ضرْبًا من الرفاهية، للإنسان كفرد، وللمجتمع ككيان بشري متكامل. لكن ليس كل تفاهة، أوابتذال، تحت أي مُسمّى، يمكن أن ندرجه أو نطلق عليه اسم الفن. فالفن هو ثاني أجنحة الروح السليمة التي جُبلت علىالفطرة، وتحب كل جميل، وتنفر من كل قبيح، الروح التي تمارس طقوسها من دون أن تعتدي على أحاسيس الآخرين مهماكانت توجهاتهم أو معتقداتهم. لقد جُعل الفن ليحرّك الكيان الإنساني، فيُسْقط عنه ومنه كل الشرور،ويزوّده بمودة لا حدود لها للجميع، والامتزاج معهم كونهم من طينته وهو من طينتهم، لا من طينة أخرى. غير أن الفن الحقيقي،كما أرى، ليس صورة عارية، ولا هو فيلم تتلاشى الحدود بينه وبين الأفلام الإباحية، ولا هو أغنية تكتظ بفاحش القول، ولا هوموسيقى تخاطب الغريزة، ولا هو رواية لا تغادر فراش غرفة النوم، ولا هو كذلك التهويم في الفضاء والسباحة في عوالمالغموض والألغاز. الفن هو ذلك النص الممتع، صورةً كان أم كلمة أم صوتًا، يرقى فيرتقي بالذوقالإنساني ويحيله بخفة إلى عالم رائع يملأه الحسن، لا قبح فيه ولا ابتذال ولا سفه. الفن، لمن لا يفهمون ما وراءه، هو ذلك الترياق الذي يحتسيه الإنسان، دون أن يكتبه له الطبيب في روشتة باهظة الثمن،فيصيّره مختلفًا عما كان فيه من تحجّر فكر، وضيق رؤية، وأحادية نظرة. الفن هو ذلك الشعور السحريالذي يجعلك، في غمضة عين، شخصًا آخر، يفكر ويتأمل ويناقش ويبحث عما هو أفضل في كل شيء، يختلف كذلك معالآخرين دون أن يعتدي على حرياتهم المكتملة. الفن هو، وبمعنًى آخر، تلك الوصفة التي تجعلك إنسانًا(غِير).