د. خالد محمد باطرفي
لم تكن المرأة السعودية بعيدة يومًا عن العمل والتجارة، فهي حفيدة أم المؤمنين السيدة خديجة -رضي الله عنها- صاحبة النصيب الأوفر في تجارة الشتاء والصيف مع اليمن والشام، والتي استأمنت على إدارتها الصادق الأمين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه، قبل وبعد زواجه منها ونزول الوحي عليه.
فقد كانت القوافل المكية تحمل منتجات الهند وشرق آسيا وأرض اليمن شتاء، وتعبر بها سواحل البحر الأحمر إلى دمشق صيفًا، وتعود محملة بخيرات أرض الرافدين وفلسطين، وما يليهما من بلاد الروم ومصر.
وفي عهد النبوة والخلافة الراشدة، شاركت المرأة في أعمال التجارة ومراقبة الأسواق، والفصل بين المتخاصمين، وكانت تنزل الأسواق في العصور الإسلامية اللاحقة، تبيع وتشتري، ولها ما للرجل من أملاك ومزارع وغيرها من الأعمال والأنشطة. كما كان لها حضور في العلم والتعليم والقضاء والعسكرية.
وضعفت في القرون الأخيرة مشاركة المرأة السعودية في ممارسة التجارة بشكل مباشر، لأسباب عديدة، من بينها تدني مستوى التعليم والعادات والتقاليد المستحدثة، وإهمال جانب التدريب والإعداد والتمويل، والدعم لهن في المجالات التي تخصص فيها الرجال.
إلا أن العقود الأخيرة شهدت تبدلًا في كل هذه الظروف والأحوال، فقد حققت برامج التعليم والتدريب في السعودية قفزات كبيرة، حتى تساوى عدد خريجي المعاهد والجامعات الوطنية والدولية من الجنسين. واهتمت الدولة بتقديم الدعم الكامل لتأهيل جيل جديد وطموح من النساء، وتمكينهن من العمل التجاري والوظائف والأنشطة العامة والخاصة بلا استثناء.
وأصبحن اليوم يعملن في أعلى مراكز السلطة والإدارة الحكومية والأهلية، ويقُدن ٤٥٪ من المنشآت التجارية المتوسطة والصغيرة، أي أكثر من ضعف ما كانت عليه عام ٢٠١٦.
كما ارتفعت حصتهن في سوق العمل من ٢٠٪ عام ٢٠١٩ إلى ٣٣.٦٪ في ٢٠٢٢. مما حقق أعلى نسبة نمو لعمل المرأة في العالم، حسب المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي عد المملكة بين أكثر 5 دول تحسنًا في سد الفجوة في بيئة العمل بين الجنسين.
ورصد تقرير لهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة السعودي عددًا من برامج التسهيلات الائتمانية والتمويل، وبرنامج “وصول” الذي يسهم بتغطية 80٪ من تكاليف النقل بين العمل والمنزل، وبرنامج تمكين رائدات الأعمال في قطاعات معينة مثل: خدمات التجميل ورعاية الأطفال، ولوحة التحكم النسائية التي توفرها «منشآت»، لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبرنامج فترة الحضانة لثلاث سنوات لمن لا يزيد دخلهن على ٦ آلاف ريال سعودي، مما يسمح لهن بتولي وظائف أو تطوير أعمالهن الخاصة، .
المدهش في الأمر أن جميع هذه التحولات التي تدرجت عقودًا، تسارعت في السنوات الست الأخيرة إلى مستويات غير مسبوقة، مما يشير إلى نجاح الرؤية السعودية وبرنامج التحول الوطني في تحقيق هدف تمكين المرأة حتى أصبحت وزيرة وسفيرة وعضوة في مجلس الشورى ورئيسة لعدد من مجالس الإدارات الحكومية والخاصة والجامعات، وخاضت مجالات جديدة كالعسكرية جندية وضابطة وقائدة، وتجاوزت نسبة مشاركتها في بيئة الأعمال في ٢٠٢٢ مستهدف الرؤية في ٢٠٣٠.
أستاذ بجامعة الفيصل