قال صاحبي: بدأت الأضواء مؤخرًا تتجه صوب البحر الأحمر، وتبارت القوى الدولية للفوز بالسيطرة على هذا الممر البحري الاستراتيجي، الغني بثرواته المتنوعة؛ ولأن الأقربين أولى بوطنهم، وأحرص من غيرهم على حمايته، ورعايته، وتنمية إمكانياته، قررت الدول المشاطئة للبحر الأحمر تأسيس كيان سياسي يجمعها تحت مظلته.
فما أهم التحديات التي سيواجهها هذا الكيان، وما أبرز أهدافه، وهل سيمتلك ذراعًا عسكريًا لحمايته، وهل يتكامل أو يتقاطع مع مجلس التعاون الخليجي؟
يُشكل هذا الكيان الجديد خطوة استباقية مهمة لدوله المشاركة فيه، من النواحي كافة، أمنيًا، وبيئيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، ويكتسب هذا التكتل أهميته الاستراتيجية، من خلال موقعه وربطه بين قارات ثلاث، وممرات مائية دولية تنقل تجارة العالم من الشرق إلى الغرب، وبالعكس، وتشكل واحدة مهمة من سلاسل الإمدادات التي جرب العالم تداعيات إغلاقها لعدة أيام بعد جنوح السفينة “ايفرغفن”.
لكل دولة من الدول الثماني المشكلة لهذا الكيان الوليد مزايا تتمتع بها، لكنها لم تستثمرها بشكل أمثل لأسباب كثيرة، تخص كل دولة، حتى تقدمت المملكة العربية السعودية بمبادرتها في عام 2018 لتشكيل هذا الكيان، في خطوة وصفها المحبون للسلام بالضرورية والملحة، فيما أثارت حنق الدول التي لها مآرب أخرى في المنطقة باستخدام ما يعرف بسياسة شد الأطراف، مستغلة عدم وجود ضامن لأمن البحر الأحمر.
كان قدر هذه المنطقة أن تتسلّط عليها قوى دولية وإقليمية، فإسرائيل وتركيا وإيران وإثيوبيا، تمارس سياسة شد الأطراف بطريقتها الخاصة في حوض البحر الأحمر من أجل دعم نفوذها وتواجدها في هذه المنطقة، هذه السياسة أربكت الدول المطلة على البحر الأحمر داخليًا وخارجيًا، وجعلها مشغولة بإعادة التوازن، منصرفة عن المشاريع الإقليمية الساعية لتأسيس نفوذ قوي لها في المنطقة، وقد أدى هذا الشد، لبتر أحد الأطراف، جنوب السودان نموذجًا.
ولعل أبرز المكاسب من تشكيل هذا الكيان الجديد هو اتسامه بالشمولية، وعدم اقتصاره على جانب واحد فقط كالأمن مثلًا، دون الاقتصاد، والتنمية، والاستقرار، كما أنه سيتكامل مع كيان آخر قريب منه جغرافيًا وسياسيًا، واقتصاديًا، وأمنيًا، مما سينعكس إيجابًا على دول هذين الكيانين بشكل خاص.
هذا التكامل يصنع كيانًا متكاملًا في منطقة حيوية تنافست القوى الإقليمية والعالمية لإيجاد موطئ قدم لها فيه، ويكفي أن تنظر إلى جيبوتي مثلًا، لترى وجود قواعد عسكرية لسبع دول: (الصين- روسيا- فرنسا- أسبانيا- اليابان- تركيا- إيطاليا)، وربما غيرها في المستقبل، لتدرك أهمية هذه المنطقة في المنظور القريب، والأهم أن تدرك الدول المشاطة للبحر الأحمر أهميتها، وتعمل على تقوية نفسها بالتكامل والتعاون والاستفادة من المزايا النسبية لكل دولة من دول الكيان الجديد، هذا التكامل السياسي، بحاجة أيضًا لمظلة عسكرية موحدة لحمايته.
كما على هذه الدول أن تنطلق من رؤية واحدة، ويقين واحد بأن هناك الكثير من التحديات التي تواجهها منفردة، فأصحاب المصالح، الطامعون بثرواته، وموقعه، لن يتوقفوا عن مماسة الكيد السياسي لتعطيل ميلاد هذا الكيان؛ لأنه يضر بمصالحها الخاصة، لذلك تلجأ إلى تفعيل سياسة شد الأطراف، وإضعافها، لكن هذه الرؤية الجماعية للدول العربية والأفريقية ستحول البجعة السوداء إلى بيضاء، فقد اتضحت الرؤية لدى الجميع، وأصبح القرار الجماعي والتكتل الإقليمي ضرورة لا خيارًا في عصر لا يحترم فيه العالم الدول المنفردة قدر احترامه للكيانات المتحدة القوية، فأي اختراق لهذه المنظومة الجديدة هو انتهاك لأمنها وسرقة لمقدراتها.
قلت لصاحبي:
كيان البحر الأحمر وخليج عدن هو الضامن لأمنه واستقراره.