المقالات

العودة للمدارس .. لماذا يكرهها الطلاب؟!

علق زميلي الباحث الاجتماعي، على تغريدة الأستاذ محمد علي السرحاني، المتداولة والهادفة، الذي حذر فيها أفراد المجتمع من “عدم التحدث عن العودة للدراسة وكأنها عودة إلى الجحيم، استمتعتم بالإجازة الصيفية، في أمن وأمان وخير وصحة وعافية وسلامة ، قولوا الحمدلله واشكروه ، وتذكروا قيمة العلم وما فيه من خير ورفعة ، حياة بدونه لا قيمة لها . مدارس وليست سجون ، ولا مصحات ، ولا ملاجئ من حروب ، ست ساعات ربع يوم ”
وقد طرح زميلي تساؤل وهو : لماذا يكره الطلاب العودة للمدارس؟!

مشكلة كراهية بعض الطلاب للعودة إلى المدارس، أو إن صح التعبير الصعوبة التي تواجه بعض الطلاب لبدء العام الدراسي، بدلاً من إستخدام لفظ كراهية، لأن الكلمة قاسية على نفوس التلاميذ والطلاب، في اعتقادي هي ظاهرة أزلية يعاني منها كافة المجتمعات، ولها أسبابها الشخصية والنفسية والاجتماعية والمدرسية.

ويمكن الافتراض من واقع خبرتي كطالب سابق في التعليم العام، وكمختص في التأهيل الاجتماعي، وكأب، بأن أسباب ظاهرة كره الطلاب للعودة للمدارس قد تكمن في الأسباب التالية:

١- سوء تنظيم الطالب لوقت نومه، فتجده مثلاً بعد عودته من المدرسة يتناول وجبة الغداء، وينام إلى أذان المغرب، وربما إلى أكثر من ذلك، مما يؤدي إلى السهر لأوقات متأخرة من الليل، ثم يجد صعوبة في الاستيقاظ في الصباح الباكر بنشاط وحيوية، وبالتالي يذهب كارهاً للمدرسة، وهو يشعر بالنعاس ، ومن ثم قد ينام في الفصل أثناء الحصص الدراسية، الأمر الذي يحرمه من استيعاب الدروس، ويعرضه لتوبيخ مدرسيه على النوم.

٢- تقاعس وإهمال الطالب في استذكار دروسه، وقد يكون ذلك بسبب عدم رغبته في الاستذكار، وقد يكون بسبب إهدار أوقاته في اللعب، والتسكع في الطرقات، أو قد يكون بسبب تحمله مسؤولية الأسرة كالإنشغال بوظيفة في الفترة المسائية، ليصرف منها على أسرته، أو الإنشغال بتلبية احتياجات جميع أفراد الأسرة كونه هو الابن الوحيد في الأسرة.

٣- سوء معاملة إدارة المدرسة للطالب كمعاقبته بالتوبيخ والضرب يومياً لتأخره عن الطابور الصباحي، وغير ذلك من العقوبات المنفرة والطاردة من البيئة المدرسية، وكان بالإمكان استبدال العقوبة بتحويل الطالب للأخصائي الاجتماعي، الذي من المفترض تواجده بالمدرسة، لدراسة أسباب المشكلات المدرسية التي تواجه الطلاب وعلاجها بعيداً عن الضرب والتوبيخ.

٤- سوء معاملة بعض المعلمين للطلاب بسبب إهمال الدروس، والواجبات المدرسية، ولكثرة الغياب، والمشاغبة داخل الفصل، أو التطاول على المعلمين.

٥- تنمر الطلاب على زميلهم الطالب، مما يجعله ينفر من البيئة المدرسية، ويكره العودة إلى المدرسة، والتنمر أنواع كالتنمر الجسدي، وهو الاعتداء بالضرب عليه، والتنمر النفسي كالعنصرية المقيته، والسخرية منه، والتنمر الجنسي، أي التحرش بالطالب والاعتداء الجنسي عليه، لذلك فإن التوسع في تعيين الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس، سيؤدي إلى انخفاض نسب التنمر، فالأخصائي يبدأ بالتعامل مع شكاوى التنمّر بتنظيم جلسات منفردة مع الطالب المتنمّر، وكذلك ضحية التنمّر يحتاج أيضاً إلى جلسات علاج، إذ يولّد تعرضه المستمر للتنمّر الشعور بالخوف وضعف الشخصية.

٦- تعوّد الطلاب على الراحة والنوم خلال الإجازات؛ لذلك عند اقتراب بداية العودة للمدارس يستصعب الطلاب إيقاف حياة الدعة، واللعب، والسفر، والعودة لحياة الاستيقاظ المبكر، والارتباط، والاستذكار، والاختبارات، وتنمر الطلاب، والمعلمين.

٧- تأثير وتثبيط بعض أفراد المجتمع على الطلاب، كتصعيب التعليم عليهم والإيحاء لهم بعدم الفائدة منه، ويقول الدكتور خالد سعود الحليبي في هذا الصدد في تغريدته القيمة: ” حصر هدف التعليم في الحصول على الوظيفة يحول العلم في نفوس أبنائنا وبناتنا إلى وسيلة دنيوية فقط، والحقيقة أن العلم هدف في حد ذاته، يتعبد المسلم بطلبه، ورفع الجهل عنه، ويحقق به صحة عباداته، ثم يتوسل به إلى الوظيفة والكسب، ونفع الناس، وعمارة الأرض، وخدمة دينه ووطنه ومجتمعه .. “

٨- طول فترة بقاء الطلاب في المدرسة، والملل من طريقة إلقاء بعض المعلمين للدروس، ومن الاعتماد على أسلوب تلقين الدروس، وعدم إشراك الطلاب في العملية التعليمة التفاعلية، كوضع فصل لكل ماده، ويكون على شكل معمل، أو ورشة عمل، وعمل رحلات خارجية للمدرسة، وذلك حسب استبيان يوزع على الطلاب في الفصل، وحسب ميول كل طالب في طريقة التعليم المناسبة له.

‏٩- عدم اهتمام الأهل بتشجيع الابن ومدحه على درجاته المرتفعة؛ فيشعر بأن مجهوده واجتهاده وتفوقه يضيع سدى ولا يُقدّر.

١٠- بعض الأسر يفرحون بعودة المدرسة ليرتاحون من مشاكل الأبناء في المنزل، فينعكس سلباً على نفسية الأبناء، ويشعرون أن الهدف من المدرسة هو مكان يرتاده الطلاب ليتخلص الوالدين منهم ومن مشاكلهم.

١١- تأثير الخلافات الزوجية على الأبناء، الأمر الذي يؤدي إلى إهمال الطالب للدراسة وكره المدرسة.

١٢- من الطلاب من يرى في نفسه نقص الثقة، ومنهم من لدية مشاكل أسرية، واجتماعية، ونفسية، وصحية، واقتصادية، ومنهم من لديه مشاكل تعليمية: (صعوبات تعلم – مشاكل نطق) .

وقد ذكرت الكاتبة الدكتورة نجوى بنت ذياب المطيري، في مقالها الرصين بصحيفة مكة الالكترونية والمعنون بـ: بين الدلال المُفرط والقسوة الزائدة…. أين تكمُن التربية؟؟؟ أن “علماء التربية وعلماء النفس يعتبرون أن أسلوب القسوة في تربية الطفل من أخطر ما يكون عليه وخاصة إذا صاحب ذلك الضرب والإهانة والتلفظ عليه بالألفاظ النابية. وقد يُعلل البعض قسوتهم على أطفالهم بأنهم يحاولون دفعهم إلى المثالية في السلوك أو الدراسة. ولكن هذه القسوة ينتج عنها ردة فعل عكسية، فيكره الطفل الدراسة مثلاً أو يمتنع عن تحمل المسؤوليات ويصبح عدوانياً في تعامله فاقداً الثقة في نفسه. وفي المقابل فإن الدلال الزائد والتسامح المستمر يجعلان الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة، ويجبُن عن مواجهة مصاعب الحياة ويعتمد بعد ذلك في كل شؤونه على والده أو ولي أمره”.

وعن تجربة، يرى أحد الطلاب من معارفي أن السبب الاول الذي يجعل الطالب لا يتأقلم مع البيئة المدرسية هو ((التنمر)) سواءً من المعلم أو الطلاب، والكثرة تغلب الشجاعة، والبعض يتكالب على طالب واحد، ويهزمونه نفسياً، ويضعف أمامهم طوال سنينه في المدرسة، لكن البعض يستطيع يتخطى ويأخذ حقه والبعض ينهزم ويسلم لأمرهم” .

وقد اقترح زميلي -وهو ملهمي لهذا المقال- إجراء دراسة بحثية من قبل وزارة التعليم، عن هذه الظاهرة، وتطبيقها على طلاب المدارس من خلال استبيان، يوجه لمجموعة من الطلاب بالمرحلة المتوسطه والثانويه، لجمع آرائهم والتوصل للأسباب الحقيقية وعلاجها، وكذلك للإجابة على التساؤل المعنون به المقال وهو: لماذا يكره الطلاب العودة للمدارس؟

رسالة:
إن المأمول من خطباء الجمعة، تناول موضوع صعوبة عودة بعض الطلاب للمدارس بعد الإجازة، في إحدى خطبهم، فالخطبة فرصة يجتمع فيها مختلف شرائح المجتمع، فيشهدها مدراء المدارس، والمعلمين، والطلاب، وأولياء الأمور.

مستشار أسري واجتماعي
بمستشفى الملك فيصل بمكة المكرمة

عبدالرحمن حسن جان
ماجستير خدمة اجتماعية

للتواصل مع الكاتب:
Abdulrahmanhjan@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى