قال صاحبي: بكل تأكيد أن القنوات الفضائية تُقدم مكافأة مجزية لمن تستضيفه للتعليق، أو التحليل السياسي، ثم توقف قليلًا وقال: “ما أسعدكم شهرة ومال”! فهل هناك مبلغ متفق عليه مسبقًا، أوهو محدد من قبل القناة، وهل يتم دفع المبلغ مباشرة، أو بعد مطالبتكم، وهل ما يدفع للمحلل مقبول قانونيًا، ولا يؤثر على مجريات الحوار، ووجهات النظر؟ وغاب عن صاحبي أن السعادة ليست بالمال.. لكن بما تفعل به.
لفتني مشهد على إحدى القنوات العالمية، وكان الضيف – مهدي عفيفي محلل سياسي أمريكي- قد توقف عن الحديث الذي استضيف من أجله فجأة، ووجه حديثه نحو القناة “هاتوا الفلوس اللي عليكم” وفي لمح البصر طار الركبان بالمشهد، وتداوله محبو السبق الإعلامي عبر وسائل التواصل المختلفة، لغرابته وطرافته، وهي بالمناسبة من قيم الأخبار المتعارف عليها في صالات التحرير، وغدا حديث المجالس، والشهادة لله، من خلال تعاملي معهم لم يتأخروا بدفع مستحقاتي ولم أطالبهم، لكن تبقى أخطاء إدارية، وربما فردية، لكنها تضر بالجميع.
هذا المشهد تم تداوله كثيرًا، وطلب مني الأصدقاء التعليق عليه، بحكم تعاملي مع عدد من القنوات الإعلامية، فقلت لهم قبل التعليق على هذا الفيديو المنتشر، وهل الضيف مصيب أم مخطئ في تصرفه، تبقى الجهة هي المسؤولة عن دفعه لهذه الحيلة، ثم أكملت حديثي بقوله تعالى: (لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) فالرجل قال في حديثه أنه يئس من تكرار التواصل معهم، فاضطروه للجهر بمظلمته، وهو لم يتجاوز حدود مطالبه، وإن كنت لا أعيبه على تصرفه، فالأولى عدم التجاوب مع الوسيلة، وهذا ما فعلته مع وسيلة مماثلة.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر أرسل لي أحد الزملاء مشهدًا معززًا لوجهة نظري وفيه ظهر الأستاذ محمد رضا نصر الله، وهو يتحدث عن ذكرياته، ومنها زيارته لمصر لإجراء مقابلة تليفزيونية مع الأستاذ توفيق الحكيم، فبعد أن وصل للمكان المحدد ونصب أجهزته، ذهب للأستاذ توفيق ليصحبه إلى مكان التصوير، فقال له: إحنا جاهزين، فرد الحكيم:” شفت عباس!” فوقع في نفسي أنه يريد المكافأة – وهذا حقه- وهو ما أكده لي عباس المستكاوي، فلم يتحدث ضيفي قبل أن يقبض مستحقاته.
قلت هذا من حقه ولا ملام عليه، فأغلب المتحدثين بشكل عام إلا ما ندر، يقبضون مبلغًا رمزيًا محددًا من قبل القناة، لا يوازي قيمة الوقت الذي سيقتطعه الضيف من برنامجه اليومي للتحضير، ولا يقابل تعب القيادة وزحمة الطرقات، ولا يساوي كم المعلومات والرسائل التي يجتهد الضيف لإيصالها للمتلقي، ولا تعريض نفسه وعائلته ووطنه لنباح السفهاء، فأقل شيء يقدم له ما يستحقه فعلًا، دون طلب منه، أو اضطراره لإضاعة وقته للبحث عن حقه الضائع! فليس لدى الكثير عباس الضامن لحقوقهم.
ثم ذكر الأستاذ نصر الله إشارة خطيرة، وهي لا تزال حتى الآن للأسف تخيم على عقول بعض القنوات، وهي إحساسها بأنها متفضلة على الضيف بإظهاره على شاشاتها، وحتى أكون منصفًا يجب أن أقول: إن المنفعة متبادلة بين الطرفين، لكن المقابل ليس متكافئًا!، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
-القناة بحاجة لملء ساعات البث الطويلة لديها بمقابلات مع مختصين في مختلف المعارف.
• الضيف المتميز مكسب للقناة، ويريحها، ولا يوقعها بحرج، ويكبدها تبعات أقلها الاعتذار.
• الضيف المتميز يقدم مادة مهمة تساهم في رفع أسهم القناة وحضورها في الحدث والاعتماد عليها، وزيادة نسب المشاهدة.
• الضيف المتميز لا يتحدث شهوة وحبًا للظهور، ولكنه صاحب رأي ووجهة نظر، يقدمها للجمهور حتى وإن اختلفت مع توجه المحطة التليفزيونية.
• الضيف المتميز هو من تبحث القناة عنه، وليس من يطرق أبوابها، فهذا باحث عن الشهرة، فاختيار القناة لضيفها دون سواه، إقرار ضمني منها بقدرته وتميزه في الحديث.
كما أنني لا أتفق مع من يقول بأن تقديم مكافأة للضيف تدفعه لعدم مخالفة المحطة، والبث على موجاتها، فهذا غير صحيح ولا مقبول، يجب احترام المحلل السياسي، والنظر إليه كأي مهني أو متخصص يقدم عملًا ويقبض مقابله، فأغلب المحللين السياسيين يحترمون أنفسهم ومهنتهم، ولا تجد فارقًا يذكر في ظهوره مع قناة تقدر ظهوره، وأخرى لا تفعل.
مع الإشارة إلى أن بعض القنوات تُعلم الضيف من البداية بأنها لا تقدم مكافأة مالية إما لعدم مقدرتها، وإلا تنفيذًا لسياستها، وهنا تنتفي مسؤوليتها عن حقوق ضيوفها المالية، وهنا أيضًا أشير لكثير من المحللين السياسيين السعوديين الذين يتجاوبون مع القنوات الفضائية دون سؤالها هل تدفع مقابل ظهورهم أم لا؟ ولعل هذا أحد أسباب ضياع حقوقهم.
قلت لصاحبي:
احترام الآخرين وتقديرهم هو احترام لذاتك.