المقالات

المسألة ليست بالسِّن يا عَمّووو!

معروف للجميع، رجالًا ونساءً، أن المرأة هي مَن تحرص دائمًا على إخفاء سِنها الحقيقي، ظانةً، ربما، أنها بهذا ستظل طوال حياتها أصغر سنًّا، وأكثر شبابًا، وبهذا تبقى دائمًا محط اهتمام ورغبة، رغم أن إخفاء السن لن يُزيد في عمرها ثانية واحدة، ولن يقف أمام عجلات الزمن التي ستدوس جسدها مع مرور السنوات، لكنها الحال التي جرت على نكران المرأة لسنها الحقيقي.
وإن غضضنا الطرف عما تفعله المرأة حيال عمرها، أيًّا كانت أسباب ذلك، فإنه من الغريب أن يسير بعض الرجال خلف المرأة في هذا الدرب، محاولين أن يطمسوا سنهم الفعلي، وكأنهم بهذا سيصبحون محط أنظار المعجبات، وما إلى ذلك مما يجعلهم يشعرون بأناهم العليا. دون أن أتحدث عما يفعله بعض الرجال من صبغهم للشعر..وماذا يفعل تغيير لون الشعر وتقاسيم الوجه تقول وتخبر وتعلن عن السن الحقيقي! شخصيًّا أحترم وأقدر المرأة التي تبدو بشعرها الأبيض، ضاربة عرض الحائط بأنه دليل تقدمها في العمر، فيما أتساءل ما الذي يدعو كهلًا عجوزًا، بينه وبين القبر أقل من خطوة، إلى أن يُعيد اللون الأسود إلى شعره بعد أن اجتاحه اللون الأبيض؟
الآن يغضب بعضهم حين يُنادى بكلمات تعبّر عن التقدم في العمر من قبيل يا عَمّو، يابا، يا عم الحاج، يا بركة، وما شابهها من كلمات، وكأن مجرد أن ناداهم أحدهم بإحدى هذه الكلمات فقد كُبر في السن عشرات السنوات! إن قيل لك يا عزيزي الرجل يا عمو أو يا حاج، فهذا لن ينقص من عمرك، ولن يُتخذ دليلًا على تعطلك عن ممارسة الحياة بشكل طبيعي، ولن يطالبك أحدهم بالتكهين والإلقاء في مخازن الحياة في سكون أبدي. ألا تعلم يا عزيزي أن هناك شبابًا يعجزون عن فعل أي شيء رغم أنهم لا يزالون صغارًا، في الوقت الذي لا يعجز كبار السن بسنواتهم التي أثقلت كاهلهم عن فعل أي شيء!

وعليك أن تتذكر دائمًا، يا عزيزي، أنك وإن كنت شابًا فلن تتجمّع حولك الفاتنات لمجرد أنك في ريعان شبابك، وإن كنت شيخًا فلن تجعلهن شيخوختُك يهربن منك.. عِش يا عزيزي حياتك، ودعك من التركيز في مقدار عمرك، كبيرًا كنتَ أم صغيرًا، وليرافقك دومًا إحساسك بأنك شاب وستظل، ولا تهتم بمن يرونك كهلًا وأنت شاب، أو يرونك شابًا وأنت كهل.. عش سنك بلون شعرك الراهن وبتجاعيد وجهك كما هي، ولينبع شبابك من داخلك، من قلبك، من تفكيرك، لا من لون شعرك. الحياة يا عزيزي بات بها الكثير الذي يجعلنا نتجاوز عن عدة ألفاظ ينادوننا بها، حتى وإن كانت لا تليق بنا أو لا تناسبنا..فقط اهتم بكيف تعيش أيامك كما يحلو لكَ، ولا يعكّرن صفو مزاجك آخر قال لك ذات مرة: يا عمّو، أو نادتك إحداهن قائلة لك يا أونكل!
أنا مثلًا شاب شعري وأنا صغير وكل من يراني من ظهري يناديني مرة قائلًا: لي يا عمو، ومرة يا حاج، ومرة يابا، رغم أن الذين ينادونني بهذه الكلمات معظمهم أكبر سنًّا من أبي وأمي، لكني اعتدت أن آخذ الأمور ببساطة، رادًا على من قال لي يا عمو بـ”نعم” يا عمو، ومن قال لي يا حاج بـ”نعم” يا حاج، وهكذا دون أن أقيم الدنيا وأقعدها، فالمسألة سهلة وبسيطة ولم تعد بالسن يا عموو!

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button