ما الأسباب التي توصل الزوجين لهذه النهاية المأساوية مفضلين الانفصال عن استمرار الحياة الزوجية وبناء الأسرة؟ طرحنا هذا السؤال على المختصين والخبراء بحثاً عن الأسباب الحقيقية مركزين على البعد النفسي وأثره المباشر على سعادة الزوجين أو فشلهما؟!
الأسباب كثيرة لكن الأهم التوافق؟
تقول الدكتورة أماني بنت محمد الدوسري ـ أستاذ الشخصية وعلم النفس الاجتماعي المساعد بجامعة أم القرى ـ : تتعدد أسباب الطلاق وتتنوع وفق التكوين البنائي للمجتمعات ما بين أسباب اجتماعية وشخصية واقتصادية، إلا أن هذه الأسباب ليست الوحيدة المؤدية للطلاق، فهناك مشاكل وصراعات بين الزوجين يكون أساسها اختلافات في بنية الشخصية وتكوينها النفسي، والتي ترجع جذورها إلى طبيعة العلاقات الأسرية لأسرة أحد الزوجين أو كليهما، حيث يكتسبان من خلالها سماتهما الشخصية، وتصوراتهما للحياة وملامح أدوارهما، فيقوم كلا منهما إما بتبني طريقة التفاعلات الأسرية التي نشأ عليها، ومحاولة تكرارها مع أسرته الجديدة، أو النفور وتجنب تكرارها كرد فعل عكسي ! مما قد يؤثر بشكل سلبي على علاقته الزوجية. كما أن التباين في سمات الشخصية وخصائصها بين الزوجين قد يؤدي أيضا إلى عدم توافقهما مما يعزز المشاعر السلبية نحو الشريك ومحاولة ايجاد أساليب غير صحية للتوافق معه، والتي تزيد من حدة الضغط والصراع والتوتر والقلق، وبالتالي سينظرون سلباً لعلاقتهما الزوجية مما قد يؤدي إلى الطلاق.
ابحثوا عن الاضطرابات النفسية؟
وتشير الدكتورة الدوسري إلى أن سبب الطلاق قد يرجع لمعاناة أحد الزوجين من الاضطرابات النفسية مثل: الوسواس والنرجسية والغيرة والقلق والاكتئاب وحب التملك والانسحاب وغيرها من العوامل النفسية التي تعيق التواصل السليم بين الزوجين، فالحياة الزوجية تتطلب قدر من التواصل الجيد بين الأزواج والموازنة بين الاحتياجات لما لهما من تأثير قوي على توازنهما النفسي الأمر الذي ينعكس بشكل كبير على توافقهما الزواجي ولا ننسى أن هنالك تأثيراً سلبياً أيضا للحياة الضاغطة والمتمثل في تعدد الأزمات وتداخل الأدوار الاجتماعية، والتي قد تؤدي إلى تعميق الخلافات بين الزوجين، مما ينعكس على الأسرة وتماسكها.
الحياة الزوجية مرآة للصحة النفسية؟!
تشدد الدكتورة عبير محمد حسن الصبان ـ استاذ الصحة النفسية المشارك بجامعة أم القرى ـ على أهمية الجانب النفسي واضطرابات الشخصية وأثرهما على استقرار الحياة الزوجية فكلما زاد مستوى الصحة النفسية بين الزوجين أدى ذلك للسعادة الزوجية، بينما غيابها يعيق استمرار الحياة ،و عدم استقرارها، وما يزيد الأمر تعقيداً الاضطرابات الشخصية التي لها دور كبير على استقرار الحياة الزوجية، فالشخصية الإنسانية لها أنوع كثيرة تتسبب في سوء العلاقة ين الزوجين ومنها الشخصية البارانوية التي تجعل الشك والغيرة تسيطر على حياتهما، وكذلك الشخصية النرجسية التي يتمركز فيها حب أحد الزوجين أو كلاهما على ذاته بشكل مبالغ فيه لدرجة عدم الاهتمام بالطرف الآخر واستنفاذ طاقته.
لذلك لابد من السعي في الحياة الزوجية الى رفع مستوى الصحة النفسية للزوجين لكي يشعر كلاهما بالسعادة النفسية مع نفسه وشريك الحياة
أسباب هشاشة بنية الحياة الزوجية ؟!
يشير الدكتور عبد العزيز المطوع ـ أستاذ الارشاد والعلاج النفسي ـ : إلى أن هشاشة العلاقات الزوجية يجعلها تتحطم أمام أي تحدٍ فبدل أن يكون أساس الحياة الزوجية الميثاق الغليظ الذي أخذه الله للنساء على الرجال من حسن المعاشرة والقوامة، وعلى النساء من حسن التبعل صارت الرغبة والمتعة والشهوات فينشا الاستغناء الوهمي واتباع مثيرات المتع التي تزيد من التوتر لإيجاد اي وسيلة لإشباعها ولو باللا معقول فتنعكس على العلاقة لتصبح هشة تكسرها اي هزة من اعلان مشهورة او تخبيب شيطان ويصبح القرار بلا عقل يردعه قال تعالى : ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ. أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ﴾
الاضطرابات النفسية تهدد الاستقرار الأسري
يرى الدكتور إبراهيم الصيخان ـ مدير عام مركز وهج للإرشاد الأسري ومستشار نفسي وأسري ـ أن للاضطرابات النفسية دورا في حدوث الطلاق بسبب تعقّد الحياة وتشعّب متطلّباتها وصغر حجم الدائرة الاجتماعية وانعدام الخصوصية عند الأغلبية؛ مما يجعل حياتهم عرضة للانتقاد تارة ولعدم الرضا تارةً اخرى.
مشيراً إلى التقليد الأعمى في المظهر والسلوك الاجتماعي للآخرين؛ مما يجعل هذا مصدراً للضغط النفسي الذي يتسبّب في إحداث شرخٍ في البناء النفسي والاجتماعي لأفراد الاسرة، وهذا تظهر نتائجه على شكل اضطراب نفسي كالقلق والاكتئاب والعدوانية بين أفراد الأسرة الواحدة وهذا يمكن أن نراه كجانب من جوانب العوامل الهادمة للحياة الأسرية، ولكنه ليس الأوحد ولا العامل الرئيس في ذلك التصدع، بل هناك عوامل أخرى لا يجب أن نغفلها كعوامل مؤثرة بشكل مباشر .
كما يؤكد الصيخان وجود أسباب جوهرية أخرى مثل التغيّر الاجتماعي والاتجاه نحو التحررّ مما يدّعون أنه قيد على الحياة الزوجية أو الأسرية، واللهث خلف الماديات وسهولة إجراءات الطلاق؛ لا تقلق تأثيرا عن الاضطرابات النفسية !
حينما كانت الأسرة تتمسك بالقيم وتتحلى بالأخلاقيات اكتسبت مناعة ولم يكن الطلاق يحدث بسهولة كتلك التي نشهدها اليوم فصمود الأسرة أمام المتغيرات مرهون بقدرتها على الحفاظ على توازنها وجوهرها العام وأخلاقها كنواة مكوّنة للمجتمع فهل نتدارك الأمر حتى نخرج من هذا النفق المظلم بسلام؟!
الأسرة المستقرة نواة المجتمع الحيوي
ومن جانبها تعرب بسمة بنت عبد العزيز حلمي ـ أخصائي نفسي أول ، المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية ـ : عن قلقها من ازدياد حالات الطلاق في السنوات الأخيرة لما له من آثار سلبية على المستوى الفردي والاجتماعي وعلى الصحة العامة داخل المجتمع ، ومنبع هذا القلق من حقيقة أن تماسك المجتمع يبدأ من استقرار الأسرة وسلامتها مؤكدةً أن أحد أهم الأسباب المؤدية للطلاق عامل معاناة أحد الطرفين من الأمراض النفسية وهذا يجعلنا نأخذ بعين الاعتبار حقيقة ما أصدره تقرير المسح الوطني السعودي للصحة النفسية، حيث أشار أن 34% من السعوديين تم تشخيصهم باضطرابات الصحة النفسية في مرحلة من مراحل حياتهم، وأن 80% من السعوديين الذين شخصوا باضطرابات حادة في الصحة النفسية لا يسعون لتلقي أي نوع من أنواع العلاج ؟! وقد تعطينا هذه الأرقام دلالات على علاقة المشكلات والاضطرابات النفسية بمشكلة الطلاق والاستقرار الأسري في مجتمعنا السعودي.
هل الطلاق نتيجة للاضطراب النفسي أم سبب !!
وتؤكد أن مجمل الاضطرابات النفسية تؤدي إلى اختلالات في التفكير والمشاعر والسلوك، ابتداء من تقلبات المزاج وضعف التحكم في الانفعالات، مرورا بغياب القدرة على اتخاذ القرار السليم، ومواجهة أحداث الحياة الضاغطة، و ضعف الوعي بالمسؤولية، بالإضافة لتأثيرها الواضح على الصحة الجسدية، وطبيعة الحياة والعلاقات بين الأفراد ، وقد يكون لهذه الأعراض دور كبير في استقرار و تفكك الأسرة وحدوث الطلاق، وما ينتج عنها من خلق أجيال أخرى قادمة تعاني من اضطرابات نفسية مما يعني استمرارية وتفاقم المشكلة داخل المجتمع ، ومهما اختلفت النظريات حيال تفسير أسباب الاضطرابات النفسية سواء كانت من خبرات الإساءة في الطفولة أو مشكلات في الشخصية أو من الاضطرابات الحيوية العصبية وغيرها إلا أننا في واقع يستلزم تدخل المختصين والجهات المعنية للحفاظ على استقرار الأسرة والمجتمع.
التوسع في خدمات الرعاية النفسية
وتشدد بسمة على أهمية التوسع في خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية في جميع مناطق ومحافظات المملكة، لتسهيل حصول الأفراد عليها والاستفادة منها خاصةً الخدمات النفسية الوقائية والعلاجية مطالبةً بتفعيل الخدمات النفسية الإلكترونية بشكل أكبر وآمن وفعال، وتقديم الرعاية النفسية في المراكز الصحية والجمعيات لتكون أقرب لكل فرد وكل أسرة مع عدم إغفال أهمية استكمال إجراء البحوث لدراسة عوامل الخطورة التي تؤثر على تماسك الأسرة واستقرار المجتمع، والوصول بنا لمجتمع مفعم بالحيوية.
البداية الحقيقية من المسح الوطني للصحة النفسية
تقول حصة الغامدي ـ أخصائية أول علم نفس سريري بالمركز الوطني لتعزيز الصحة النفسي ـ لا شكَّ أن ما يتمتع به الزوجان من صحة نفسية ينعكس على لون الحياة الزوجية! وفي حالة إصابة أحدهما باضطراب نفسي فإنه يؤثر بشكل مباشر على طبيعة العلاقة واستقرار الأسرة بالسلب ما لم يتم اللجوء إلى العلاج والرعاية النفسية معتبرةً أن نقطة الانطلاق الحقيقية يجب أن تبدأ من أول مسح وطني للصحة النفسية وتفعيل توصياته واجراء حوار مجتمعي حول نتائجه لرفع مستوى الوعي النفسي لدى المجتمع بكافة شرائحه.
وتؤكد الغامدي أن الهدف من هذا المسح الأول من نوعه معرفة اضطرابات الصحة النفسية الأكثر شيوعاً في المجتمع ؟والمشاكل التي تسببها ؟ومن هم الأفراد الأكثر عرضة للإصابة ؟وما هي أفضل الطرق لتقديم خدمات الصحة النفسية الوقائية، والعلاجية، والتأهيلية للحفاظ على الصحة النفسية للفرد والأسرة ؟ وصولا إلى المجتمع الحيوي .
فإن عدد المصابين باضطرابات نفسية تتزايد عالميا و بأن 75٪ من الاضطرابات تبدأ قبل سن 24 سنة وفي المملكة فإن معدل انتشار اضطرابات الصحة النفسية بين الشباب السعودي يماثل 40% وتمثل اضطرابات الصحة النفسية إحدى مشاكل الصحة العامة الرئيسية، والسائدة على الصعيد العالمي.