قرأت قبل أيام مقولة جميلة في أحد المواقع عن الإدارة معنونة بحقيقة في الإدارة؛ تقول: “عندما يكون الرجل أكبر من المنصب تجده متواضعًا وعادلًا ومنتجًا. وعندما يكون المنصب أكبر من الرجل تجده مغرورًا وظالمًا وأحمقًا”. وربما ترقى هذه المقولة؛ لأن نصفها بحكمة إدارية إذا قمنا بتعديل بعض المصطلحات ومن ثم فصلنا ما تحويه من صفات لصاحب المنصب كي نؤكد صحة هذه المقولة؛ في البداية يجب ألا نحصر المنصب على الرجل فقط، فالآن هناك الكثير من السيدات ممن تتبوأ منصبًا في إحدى مؤسسات القطاع العام أو القطاع الخاص؛ وربما نقول مجازًا: إن هذه السيدة أكبر من المنصب وإن كُن قلة، بينما هناك عدد من السيدات ممن يكون المنصب أكبر منهن، وهو الوضع الغالب بزعمي. ولذا يمكننا أن نستبدل هذه المقولة لتصبح: عندما يكون الشخص أكبر من المنصب بدلًا من القول: عندما يكون الرجل أكبر من المنصب.
الصفة الأولى تجده متواضعًا؛ والتواضع ينتج عنه أسس ومبادئ كبيرة لنجاح القيادة الإدارية في أية مؤسسة، فالتواضع يعني تقبل الآخرين والاستماع للجميع بعيدًا عن مناصبهم وشهاداتهم، التواضع يترجمه الانفتاح والاستماع والتواصل مع كافة أعضاء المؤسسة. التواضع يجعل المسؤول يتواصل مع الجميع داخل المؤسسة وخارجها، يشارك الموظفين أفراحهم وأتراحهم، التواضع يجعل من القائد الطبيب الذي يعالج آلام الموظفين والمختص الذي يُتابع مشكلاتهم حتى الخاصة منها. المسؤول المتواضع يفتح قنوات الاتصال مع الكل بدءًا من سياسة الباب المفتوح؛ مرورًا بالحرص على عقد الاجتماعات وزيارة الموظفين في أقسامهم وعلى مكاتبهم، وانتهاء بفتح المزيد من قنوات الاتصال كالبريد الإلكتروني. والصفة الثانية: بأنه عادل: في تعامله مع مرؤوسيه وفي ثنائه ونقده لهم، العدالة عنده هي الأساس الذي يقوم عليه توزيع المهام والتكاليف، ومنح الحوافز المادية والمعنوية لمن يستحق، وحتى في فرض العقوبة على من يخطئ. العدالة لديه حاضرة في تحفيز مرؤوسيه وتدريبهم وتأمين فرص الترقي لهم، وتوزيع المناصب بينهم فلا يميل سوى لترشيح المستحق منهم. أما الصفة الثالثة فهي أن يكون منتجًا؛ والمنتج يتمثل في الاهتمام بالإنتاجية المقرونة بالجودة، بعيدًا عن التركيز على النشاطات الهامشية والضجيج والشو الإعلامي، والهياط الاجتماعي والمؤسسي.
وعندما يكون المنصب أكبر من الشخص تجده مغرورًا وظالمًا وأحمقًا؛ نعم مغرور ونرجسي ويعتقد أنه وصل لهذا المنصب بمجهوده بينما في الحقيقة طالما أن المنصب أكبر منه؛ فهذا يعني أنه وصل بالخطأ؛ وبخداع صاحب القرار الذي لا يعلم حقيقته، ولكن ربما اعتمد على تزكية شخص آخر له. كما أنه يتصف بالظلم، نعم فالظلم بدأ من لحظة قبوله لهذا المنصب رغم أنه أصغر بكثير من أي يتبوأ تلك المكانة على حساب شخص آخر مؤهل للقيام بمتطلباتها، كما أن في ذلك ظلم للمؤسسة ومنسوبيها والمتعاملين معها؛ كون ذلك المدير سوف يكون صاحب القرار الفصل في حسم كثير من الأمور ومصالح الناس، وبطبيعة الحال فإن المعيار في تلك القرارات سوف يكون العلاقات والمصالح الشخصية، وليست الجدارة أو الكفاءة. أما صفة الحماقة فهي نتيجة حتمية لوجوده في هذا الموقع الحساس الذي يتطلب شيئًا من الحكمة وكثير من القدرات والمهارات في مواجهة الصعاب ومعالجة المشكلات. المدير الأحمق يثق فقط فيمن يمدحه ويثني عليه في كل المواقف ويؤيده في كل قراراته. بل ويعتبر من يمارس معه هذا النفاق والخداع هو صديقه الحقيقي بينما يرى من ينتقده بأنه خصمه.
لدغات متفرقة:
• بعض اختبارات القبول للفرص الدراسية أو الوظيفية أو الترقية وغيرها من الاختبارات؛ تشعر أنها لا علاقة لها بمهارات ومعارف وقدرات المتقدم للامتحان؛ بل هي على درجة من السذاجة التي تخبر المتقدم للاختبار بمعاملتك، والحكم عليك حسب هوى من أقر ذلك الاختبار، وهي تذكرنا بخريج الهندسة الذي تقدم لوظيفة فنية، فسألوه في اختبار المقابلة الوظيفية: من هو مجنون ليلى، فقال: هو قيس بن الملوح؛ قالوا له معروف أن قيس هو مجنون ليلى، ولكن من هو صاحب البقالة التي كان قيس يشتري منها المناديل ليمسح دموعه!!
• التسرب الوظيفي في أية مؤسسة هو ظاهرة سلبية وخاصة عندما يكون أكثر المغادرين هم من أصحاب الكفاءة؛ لكن المدير العبقري!! يعتقد أن ذلك إداة من أدوات تحقيق كفاءة الإنفاق، والتخلص من أصحاب المرتبات العالية.
• قد يصل الفساد الإداري والمالي في بعض المؤسسات للحد الذي يحدث تخمة مالية ووظيفية لدى المقربين من الإدارة، بينما في المقابل يعاني غيرهم من أصحاب الجهد الكبير والكفاءة من فقر مدقع. لكن بفضل الله ثم بجهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد التي تحظى بعناية ورعاية من لدن خادم الحرمين الشرفين وسمو ولي العهد -حفظهما الله-؛ فقد تم تضييق الخناق على الكثير من بؤر الفساد المالي والإداري والموس سوف تمشي على كل الرؤوس.
————-
* عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة