للأسف اعتدت في بيتي أن أترك مكاني الكأس الذي شربت منه، والصحن المتسخ الذي أكلت فيه، وقد يكون به بواقي بعض الطعام، وربما يظل في مكانه إلى اليوم التالي، أو عدة أيام، كما أني تعودت أن لا أرمي القمامة كالمناديل وغيرها في سلة المهملات، رغم أنها بجواري، بل أرميها مثلاً على الأرض، أو على الطاولة، أو على السرير، وكذلك ملابسي المتسخة أرميها في أي مكان، والمشكلة الأكبر، أن أولادي تعلموا مني أفعالي تلك، والنتيجة النهائية يصبح منظر البيت وهو مكدس هنا وهناك بالأوساخ المقززة والمقرفة، وقد أصبح لدي تلوث صحي وبصري، وأصبت أيضاً بتلوث نفسي، ونفور من البيت، بمعنى أصبحت أعيش في بيئة ملوثة ملئية بالبكتريا والجراثيم، تفوح منها الروائح الكريهة، والمشكلة أني كلما أخرج من البيت هرباً من هذا الوضع المزري وأعود إليه أجده كما كان، بل ربما زاد الأمر سوءً، لأن العاملة المنزلية كلما نظفت البيت ورتبته، “تعود حليمة لعادتها القديمة” ويستمر مسلسل رمي النفايات مرة أخرى .
طبعاً ما سبق كان سيناريو مبالغاً فيه، ومقدمة كمدخل لحال البعض، وأنا منهم، قد يكون في البيوت، ولكن ما أردت التركيز عليه بمناسبة يومنا الوطني الـ (٩٢) هو مسألة ترك القمائم في أماكن تواجدنا في المنتزهات، والبر، وفي أي مكان نرتاده، كالمخططات، والشواطيء، ثم نغادره مخلفين وراءنا الأكياس، والعلب الفارغة، وبواقي الطعام، رغم أن بجوارنا صناديق النفايات تكون قريبة، ولكن لا نكلف على أنفسنا عناء الذهاب إلى الصندوق، أو على الأقل جمع ما تبقى في كيس ووضعه في السيارة، ونرميه فيما بعد، وذلك بهدف ترك المكان نظيف وجميل وأفضل مما كان، فلو تخيل الواحد فينا أولاً والأهم أن النظافة من الإيمان، ثم أنه سيعود مرة أخرى إلى المكان لجتهد في نظافته قبل مغادرته، والجهد أصلاً بسيط وغير شاق، وإني متأكد أن من اعتاد على رمي النفايات وترك المكان متسخاً بعد مغادرته، لو جاء إلى مكان ووجده متسخاً ومليء بالقمامة والحشرات لن يرضى بذلك الوضع، وسوف يبحث عن مكان غيره ليرتاح نفسياً فهو أصلاً خرج للاستجمام، وبالتأكيد سيبحث عن المكان الجميل الخالي من التلوث الصحي والبصري، فما لا ترضاه لنفسك لا ترضاه لغيرك، وفي هذا الشأن قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
إذن ما مناسبة ذلك كله بيومنا الوطني؟! باختصار أقول إن من الوطنية، المحافظة على نظافة جميع مرافق وممتلكات وطننا، فالنظافة تبدأ من الفرد فإذا كان نظيفاً أصبح الوطن نظيفاً وجميلاً،
وحتى تكون أفعالنا مطابقة لأقوالنا، ويكون وطننا أغلى وطن فعلاً وليس مجرد أقوال نرددها، وأعلام نرفعها ، كيف لا ونحن نردد هذه الكلمات الجميلة في حب الوطن منذ طفولتنا :
روحي وما ملكت يداي فداهُ
وطني الحبيب وهل أحب سواهُ
وطني الذي قد عشت تحت سمائهِ
وهو الذي قد عشت فوق ثراهُ
منذ الطفولة قد عشقت ربوعه
إني أحب سهوله ورباهُ
مستشار أسري واجتماعي
بمستشفى الملك فيصل بمكة المكرمة
عبدالرحمن حسن جان
ماجستير خدمة اجتماعية
للتواصل مع الكاتب
Abdulrahmanhjan@gmail.com