يمكن تعريف الرؤية من واقعنا السعودي الوطني المعاصر ومن خلال التجربة السعودية بأنها الحلم الذي نسعى إلى تحقيقه.. الأمل الذي نراه صعبًا لكنه ممكن.. وهي أيضًا الخطة أو خريطة الطريق التي نسعى إلى تحقيقها بكل ما تتضمنه من مشاريع وبرامج بالعزيمة والتصميم والإرادة.. إنها عملية استشراف للمستقبل الواعد الذي نرسم معالمه معًا لتنعم به الأجيال ويزهو به الوطن.. فالرؤية إذن حلم قائد وأمل شعب وخطة عمل طموحة نحو المستقبل الواعد.
وقد اقترنت التجربة السعودية بالرؤية منذ فجر التكوين، فمشروع بناء الكيان والانسان في وطن العزة والشموخ، وإرساء دعائم الوحدة الوطنية، وتأسيس مرافق الدولة بدءًا من نقطة الصفر كان في حقيقته الرؤية الأولى، وكان في المختصر ترجمة عملية لرؤية القائد الموحد والباني العظيم جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل – يرحمه الله – الذي يعود إليه الفضل بعد الله عز وجل في تأسيس هذا الوطن الذي نفخر به ونعتز بالانتماء إليه ونعمل على صيانة ترابه وتعلية بنيانه ونقله إلى مصاف الدول الكبرى الأكثر تقدمًا وتطورًا ورخاءً بكل ما نملك من جهد وإمكانات وقدرة على العطاء.
كانت الرؤية الأولى حلمًا يراود القائد المؤسس منذ بداية التأسيس، كان ذلك الحلم يدور حول مسارين: الأول توحيد أرجاء الكيان تحت راية التوحيد، والمسار الثاني تحويل مجتمع الجزيرة العربية من قبائل مقتتلة ومتفرقة، إلى شعب موحد يعي جيدًا معنى المواطنة، ومعنى الاستقرار، وكسب العيش بغير طريق الغزو والقتل والسلب، ونقله من طور البداوة والرعي والارتحال إلى طور الزراعة والأسرة والاستقرار، ومن مجتمع الأمية والجهل، إلى مجتمع العلم والمعرفة والتنوير، كان الحلم باختصار إقامة وبناء الكيان والانسان في دولة العلم والإيمان، والنهوض بهذا الوطن ليكون محط الأنظار مكانة ورفعة وسؤددًا. ولقد تمكن الملك عبد العزيز من خلال رؤيته الثاقبة وعزيمته الفولاذية وإرادته الصلبة ليس فقط تحقيق حلمه، وإنما تجاوز هذا الحلم إلى آفاق أرحب، وبسرعة فائقة أذهلت العالم، وتمكن من تأسيس دولة عصرية قدمت لشعبها الخير والرفاهية في غضون ثلاثين عامًا فقط.
وعندما تعانقت الرؤية مع الحلم تحققت المعجزة، وبدأت المملكة العربية السعودية في عهد أبناء القائد الموحد البررة وهي تخطو بثبات نحو تحقيق أهدافها التنموية الكبرى تشد أنظار العالم إليها، لاسيما بعد أن أصبحت واحة للأمن والاستقرار، وبعد أن قدمت النموذج الأمثل للوسطية والتسامح والاعتدال في المجتمع الدولي، وبعد دورها المتنامي في خدمة قضايا العدل والسلام على المستوى الإقليمي والدولي.
اليوم بعد أكثر من مائة عام تأتي الرؤية الثانية، رؤية 2030 استكمالاً للرؤية الأولى، لتعلن عن الانطلاقة السعودية الكبرى نحو المستقبل الذي يليق بأرض الحرمين الشريفين والشعب السعودي النبيل، تلك الرؤية التي تضمنت خططًا لتنويع مصادر الدخل، وهيكلة الاقتصاد والأجهزة الحكومية، وتمكين المرأة، وتحويل المملكة إلى أقل الدول فسادًا في العالم من خلال الشفافية والمحاسبة والخصخصة، وإنشاء المشاريع الكبرى (العملاقة) التي شكلت الملمح الأبرز للرؤية، والتي من شأنها أن تحقق قفزة نوعية للمملكة تنقلها إلى مصاف الدول الكبرى.
وقد أصبحت المملكة العربية السعودية بضمها لأقدس الأماكن المقدسة في العالم، ولدورها الكبير في خدمة حجاج بيت الله الحرام والزوار والمعتمرين، ولموقعها الجيوسياسي المتميز، أصبحت تتبوّأ مكانة متميزة على الخريطة الدولية، وأصبح اقتصادها بين أعلى اقتصادات الشرق الأوسط قاطبة، نظراً لما تتمتّع به من ثروات نفطية هائلة تؤهلها لتكون البلد الأكثر انتاجاً للنفط عبر منظمة أوبك العالمية، كما أصبحت إحدى أكبر اقتصادات العالم بعضويتها في مجموعة العشرين. علاوة على ذلك، أضحت المملكة محظ أنظار فئة واسعة من المستثمرين وأصحاب الريادة حول العالم بعد انطلاق مشاريع التحديث والإنشاء الضخمة، في أعقاب رؤية 2030.
وقد جسدت رؤية 2030 حقيقة تنموية راسخة بعد أن تحقق العديد من أهدافها، وبعد أن أصبحنا نعيش في أجوائها ونجني الكثير من ثمارها. بل تمكنا من أن نكسر أرقام الرؤية في أوقات قبل الرؤية بكثير، بالرغم من التحديات وعلى رأسها الجائحة، فمثلا الإسكان هدف الرؤية 62% وصلنا إلى 60% في 2020 و62 % سنصلها إلى قبل أو في 2025، ومعنى ذلك أن هدف الرؤية تعدى من 62 % إلى 70 % من عدد المواطنين الذين يملكون مساكن.
في هذه الذكرى العزيزة على كل مواطن ومواطنة نبعث برسالة تهنئة ومحبة وافتخار لقائد مسيرتنا المباركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان الذي يعبر بأجيال السعودية الجديدة بوابة الأمل نحو المستقبل الذي يليق بهذا البلد الأمين.
وندعو الله -عز وجل- أن يديم علينا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء تحت ظل راية التوحيد وأن يبارك ويحفظ أرض الحرمين الشريفين.