سأكتب اليوم الـ(٩٢) عن وطنيتي كما أفهمها وكما تعلمتها من الوطن، وبكل بساطة أنا المواطن الذي ولد يتيمًا فكثر بأسرته الوطنية المتعايشة، وأنا القروي  الذي نشأ في قريته المجاردة ببلاد ثقيف من نواحي الطائف المنكفية على نفسها بين قمم جبال السراة، لا تصلها السيارات ولا يصلها بالعالم مواصلات ولا اتصالات، ولم تصلها الكهرباء ولا شبكات المياه، مراكبها الدواب، واتصالاتها الطرود البريدية يحملها السعاة على القدمين.
وأنا المواطن الذي نشأ في قريته الفقيرة إلى التعليم والإعلام إلا القرعاوية وراديو يلتف حوله أهل القرية لسماع الأخبار الوطنية المهمة ويشغلون عنه معظم أوقاتهم بالكدح على معايشهم،
فربطتها حكومتنا الرشيده بشبكة الطرق الحديثة إلى أصقاع الوطن الكبير.
وافتتحت بها المدارس الحكومية بنين وبنات، ووصلها البث الإذاعي والتلفزيوني والإنترنت، وبعد أن كانت عالمًا متوحدًا مع ذاته، أضحت جزءًا عزيزًا من الجسد الوطني المترامي الأطراف، وعضوا في القرية العالمية.
وبعد أن كنا نعيش فيها على ما نقـتات به من خشاش الأرض ونبت الزرع وحليب الضرع، مطاحنها الرحى، ومصادر إضاءتها القازة والفانوس، أمتن الله علينا بألوان النعم ، وأقبلت علينا الدنيا بزخرفها في ظل الرخاء الذي وفرته حكومتنا الرشيدة لشعبها العزيز أينما كان على خارطة وطننا السعوديالكبير .
وبعد أن تفتح سمعي على قصص شظف العيش وقلة الرزق واختلال الأمن، أبصرت عيوننا زينة الحياة وتمتعنا بسعة الرزق واطمأنت النفوس بالأمن وعاشت الرخاء بفضل الرحمن ثم بجهود مؤسس الكيان السعودي العظيم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله-، الذي أقام الدولة ولم الشتات وجمع العباد ووحد البلاد ورسخ الاستقرار على كلمة التوحيد وحكم الشريعة وميزان العدل، وأسس لدولة عصرية وازنت بين الثوابت وصالح المتغيرات واضعًا لبنات نهضتها الحضارية لأبنائه الملوك البررة.
فهيأ الله لنا التنقل بين أقطارها وجنينها من ثمار خيراتها واستوطنا رقعة الوطن السعودي هنا وهناك في حق المواطنة سواء لا تفرقنا عصبية ولا تمزقنا عنصرية أو مذهبية، وقد جمع بيننا منهج الاعتدال والوسطية.
فاستثمرنا ما وفره حكامنا من العلم فانخرطنا في ميادين الإنتاج والعمل يدًا واحدة في خدمة الدينهم والوطن.
وقد عايشنا ملحمة تاريخية بدأت بتأسيس الكيان وبناء الدولة وتشييد الحضارة يسابق بها ملوك مملكتنا السعودية  الزمان؛ ليبلغوا بها عنان السماء تطويرًا وتنمية وتقدمًا.
فنقلونا من القرية إلى المدن العالمية، ومن مدرسة القرعاوية إلى مدن جامعية ومراكز بحثية وعلوم فضائية وتقنية،  ومن حفى القدمين إلى السيارات والقطارات والطائرات والمراكب الفضائية ، ومن بيت شعر ولبنٍ وحجر  إلى أبراج وناطحات سحاب، ومن البدائية الى ألوان من المدنية وخدماتها العصرية شملت أقطار الوطن.
فتحول حالنا من جوع إلى شبع، ومن فقر إلى غنى ومن جهل إلى علم، ومن خوف إلى أمن، ومن بدائية الى تطور.
واليوم ونحن نتفيأ ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله،  نعيش عهدًا زاهرًا يستمر فيه العطاء ويعلو البناء وتحمى الحدود وتحفظ المكتسبات ، في مواءمة عظيمة بين الثابت والمتحول، والتفاعل مع العالم والقضايا الإقليمية والدولية بخبرة ملك مجرب وقائد حكيم وسياسي محنك، ورؤية طموحه بطموح رائدها ولي العهد الأمين، نحو بناء المملكة المستقبل، وصناعة تاريخ مجيد، في ضوء تطلعات واستراتيجيات القيادة الحكيمة، التي تعمل على توظيف ميزات ومعطيات الوطن الجغرافية والطبيعية والدينية والثقافية والبشرية، والتمكين لقدرات الشباب وطاقات المرأة،  من أجل اقتصاد متين وشعب سعيد ووطن عزيز ودولة رائدة.
وستبقى المملكة العربية السعودية -إن شاء الله- وطن الخير والسلام على شعبها والعالم من حولها، لما قدره الله لها من الخير والقيم والإنسانية والمنهج القويم واستشعار الدور الريادي نحو البشرية، بما تمثله من ثقل على المستويين الإقليمي والدولي، ولما تستشعره من آمال وآلام العالم، كونها منبع الإسلام وقيمه النبيلة وقبلة المسلمين والملوك الميامين، ودولة التوحيد والتجديد، واليد التي تمتد بالعطاء والغوث للبشرية وتعيد وتزيد.
*أستاذ كرسي الملك سلمان بن عبد العزيز لدراسات تاريخ مكة المكرمة بجامعة أم القرى