ذكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- عن حياة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل مؤسس هذا الكيان الشامخ الذي نحتفل به في يومنا الوطني ٩٢ ، بأن تاريخ الملك عبدالعزيز لا يقتصر على التأسيس والبناء ولكن له جوانب إنسانية عديدة وحوادث تخص تاريخه الشخصي.
وإليكم بعضاً من هذه المواقف على النحو التالي:
عبادته:
روى الشيخ عبدالله خياط -رحمه الله- في كتابه لمحات من الماضي، حيث كان الشيخ قريباً من الملك عبدالعزيز، بأنه كان يقوم الليل، ويستمر في عبادة ربه، ويضرع إليه، ويبكي بكاء الثكلى، ويستمر على هذا الوضع حتى قبيل صلاة الفجر ثم يوتر ويصلي مع الجماعة.
اجتماع سنوي:
وكان الملك عبدالعزيز رحمه الله يخصص إجتماعات سنوية لأسرته -رجالاً ونساءً- ويذكرهم بأساس هذه البلاد، ويوجههم بحسن معاملة الناس، والاهتمام بالفقراء والمحتاجين، وحفظ حقوق الناس، وإبراء الذمة.
تربية أولاده:
ويذكر الملك سلمان أنه عندما كان صغيراً، أن والده كان يتابع دائماً أبناؤه في جميع الأمور، وخاصة الصلاة، والدراسة، إذ كان أبناؤه يصلون جميع الفروض معه، وقد خصص رحمه الله غرفة خاصة في قصر المربع، ليحجز فيها كل من يتخلف عن الصلاة معه، بما في ذلك صلاة الفجر، وكان أبنائه يهابون عدد من الرجال من خاصته الذين يكلفهم بإيقاظ أبناءه ومتابعتهم في أداء الصلاة ويهابون من هيبة الملك عبدالعزيز لأنهم يتلقون أوامر صارمة لمتابعة أبنائه، وكان يكلف بعض المشايخ والمدرسين بتدريس أبنائه وبعد ذلك خصص لأبنائه مدرسة في القصر وعين مدرسين معظمهم من مكة المكرمة مثل الأستاذ أحمد العربي والشيخ عبدالله خياط -مدير مدرسة الأمراء- وأحمد بن علي الكاظمي وصالح الخزامي وعبدالحميد الكاظمي -رحمهم الله جميعاً- ولحرصه على متابعة أبنائه في الدراسة كان يكلف أحد خاصته للوقوف أمام المدرسة كي يتفقد أبناءه عند الدخول وإبلاغه بمن يتغيب منهم أو يتأخر عن الحضور.
أخو نورة :
وكانت نورة شقيقة الملك عبدالعزيز هي من تشفع لأولاده عنده ، وهذا يدل أن المرأة لها مكانة في أنفسنا وتقدير وأن رسول الله قدرها وأكرمها وأعلن حبه لها وأن الملك عبدالعزيز على الرغم مما كان يعتزي به من إخوة ومن رجال كان يعتز بنورة ويقول (أخو نورة).
بقعة الحبر:
وذكر الشيخ عبدالله خياط في كتابه لمحات من الماضي، عندما رأى الملك عبدالعزيز بقعة حبر على ثوب أحد أولاده وحاول أن يخفيها عن نظر والده خوفاً منه، فقال له لا تخفيها، هذا عطر المتعلمين وطلبة العلم.
عمال بناء قصر المربع:
كان الملك عبدالعزيز ، لا يرتاح عندما يشاهد بعض المواقف، فتغلبه العاطفة فيبادر بمواقفه الرائعة التي تنبض بالرفق واللين والإنسانية ، فقد ذكر الأحيدب في كتابه عن الملك عبدالعزيز، عندما جاء يتابع العمال في بناء قصر المربع وكان ذلك في رمضان وشاهد عمالاً يقومون بالعمل تحت الشمس الحارقة وتوقف وسأل رئيسهم عن مواعيد عملهم فقال من الصباح الباكر حتى العصر فتعجب وقال أنا لا أعمل بيدي، وأستعمل السيارة، وأشعر بالعطش، من الآن فصاعداً لا يعملون في رمضان أكثر من أربعة ساعات في أول النهار ولكم أجركم كاملاً.
الأزمة الاقتصادية:
وكان الملك عبدالعزيز ينظر إلى شعبه دائماً بأنهم جزء لا يتجزأ منه، وكان يستقبل المواطنين في أنحاء البلاء ليقابلوه ويستفيدوا من كرمه الفطري وكان يعتني بهم ويسأل عن احتياجاتهم وأحوالهم فعندما اشتدت الأزمة الاقتصادية بسبب الحرب العالمية الثانية، أقام المخيمات، والمطابخ، والمخابز، والمبرات، في أنحاء المملكة، لتوفر للمواطنين الاحتياجات الأساسية،
وكان رحمه الله يأخذ معه دائماً صرراً فيها نقود فضة في السيارة ليساعد بها من يقابله من المحتاجين في الطريق.
الجمّال:
وذكر الملك عبدالعزيز أنه في ذات مرة قابل جمالاً وأعطاه صرة مال وانصرف فذكّره السائق أن الصرة بها ذهب وليس فضه فأمره بالرجوع إلى الجمّال، فاعتقد السائق أنه يريد استبدال الذهب بالفضة ولكن نبه الجمال بأن الصرة بها ذهباً حتى لا يخدعه أحد لعدم معرفته بذلك وقال لسائقه أعطاه الله وليس أنا .
المرأة العجوز والزيت:
ومن المواقف الانسانية المؤثره عن سيرة الملك عبدالعزيز ما ذكره خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- رحمهم الله- في أحد خطبه رواية عن والده بشأن ما كان يقوم به ليلاً بنفسه دون علم الآخرين الضعفاء والفقراء خاصة في العشر الأواخر من رمضان في كل عام من بينهم امرأة عجوز، فيقول الملك عبدالعزيز أعطيتها مبلغاً من المال فأمسكت بي والدنيا ظلام وقالت: من أنت؟ فلم أقل شيئاً لأني لا أريد أن تعرفني، فقالت له: أنت عبدالعزيز ؟ فقال لها: نعم أنا عبدالعزيز فاستقبلت القبله وقالت له: قل آمين أن الله يفتح لك خزائن الأرض وبعد أن ظهر الزيت عندنا عرف أن هذه هي خزائن الأرض.
فصل الموظفين :
روى هذا الموقف معالي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق -رحمه الله- يقول:
عندما ضعفت موارد هذه الدولة السعودية وأصبحت في حالة ضعيفة جداً، ولم يعد هناك ما يقدمه الملك عبدالعزيز للناس، لأن مصادر الجمارك ضعفت، فأصبحوا يعطوا الموظفين مساعدات عينية، كالرز والشاهي، ثم حتى هذا ما عاد أصبح ممكن ، يقول: عبدالله كامل رحمه الله أنه دخل على الملك عبدالعزيز الشيخ عبدالله سليمان والشيخ حافظ وهبه وقالوا يا طويل العمر لم يعد لدينا ما ننفق فلنفصل نصف الموظفين، فيقول نظر إلينا الملك عبدالعزيز وقال أنتما أثنين أفصل منكما واحد فقال أوقعنا في حرج ثم قال بدل أن نفصلهم نعيش جميعاً ابو مئه أعطوه خمسين وايو خمسين أعطوه عشرين خلونا نعيش إلى أن يفرجها الله وجاء البترول بعدها بعامين، ذلك رجل يتصرف بحكمة .
طاهر الدباغ :
وذكر هذه القصة أيضاً معالي الدكتور محمد عبده يماني فقال :
كان للملك عبدالعزيز قضية مع السيد طاهر الدباغ الذي ناوأ الملك عبدالعزيز وقال له لن تدخل الحجاز يا عبدالعزيز وغضب ثم عندما غادر إلى العراق ورأى ما رأى كتب له سأعود إلى البلاد ولتفعل ما تشاء يا عبدالعزيز فعاد وكان في الرياض، فقابله كما ذكر عبدالله بالخير راوي الرواية، والله لقد أكرمه، وقال مرحباً يا سيد، وأدخله ثم بعد أيام أدخله، فقال له الدباغ يا طويل العمر أريد أن أرى الأهل في الحجاز، فيقول صمت عنه الملك حتى الليل ثم قال له يا سيد تريد ترى الأهل في الحجاز ترى سامحنا يا سيد، فإن الخطوط(الرسائل) التي كنت تكتبها من العراق لأهلك في الحجاز تقول فيها: ملك جاهل يحكم شعب جاهل كنا نفتحها، سامحنا يا طاهر، فقد عينتك اليوم مديراً للمعارف لتعلم الشعب الجاهل الذي تتحدث عنه .
الجوهرة بنت فيصل بن تركي:
في عام ١٣٣١ هـ وفي السنة التي طلب فيها أهالي الأحساء إنقاذهم من السلطات العثمانية، تقول والدة الملك سلمان، وكان وقتها بداية زواجها من الملك عبدالعزيز أن في الرياض لم يعرف أحد عن خطة الملك عبدالعزيز الحربية الخاصة إلا ثلاثة أشخاص والده الإمام عبدالرحمن والشيخ عبداللطيف، مفتي البلاد، وعمته الجوهرة بنت فيصل بن تركي، وهي المستشارة الثالثة وهذا يدل على أن المرأة في السعودية تقدر حيث ما تكون وحيث ما تضع نفسها في موضوع الثقة .
لقب الإمام:
عرض الملك عبدالعزيز على والده عبدالرحمن الفيصل الحكم عندما دخل الرياض، ورفض والده، ورفض الملك عبدالعزيز أن يلقب بالإمام إلا بعد وفاة والده تكريماً له .
الاعتداء على الملك عبدالعزيز في الحرم:
عندما أُعتدي على الملك عبدالعزيز في المطاف في الحرم بمكة، من جهات غير سعودية، افتداه ابنه الملك سعود-رحمهم الله- وتلقى الطعن بدلاً عن والده الملك عبدالعزيز، وهذا من كمال البر.
الفتاة راعية الغنم:
واقعه أوردها معالي الشيخ عبدالعزيز التويجري -رحمه الله- في كتابه القيم عند الصباح يحمد القوم السرى في الصفحة ٦٦٦ قال أن الملك عبدالعزيز كان يسير في الصحراء ومعه نافع ابن فضلية فشاهدا فتاة كأنها في العقد الثالث من عمرها ترعى غنمها فأشاروا إليها من أنت ؟ قالت لهما ماذا تريدان مني؟ تريدون أهلي هناك، وغنمي بين أيديكم خذوا ضيافتكم منها ثم اتركوني وشأني قالوا ألا تخافين؟! قالت سبحان الله أخاف ورجلي موجود، من هو رجلك هذا ؟ قالت رجلي ليس أبي ولا عمي ولا أخي قالت رجلي عبدالعزيز الذي في الرياض ، عبدالعزيز الذي أمّن الخائف، وأطعم الجائع، وأقام العدل، وأصبحنا نسير في الأرض لا نخاف إلا الله، والذئب على غنمنا، فإذن أنا لا أصدق أنك عبدالعزيز لأن عبدالعزيز هناك، وأنا بوجوده راضية مطمئنة فإن شئتم ضيافة فخذوا من الغنم ما تشاءون أو محادثة أهلي فهم في البيوت هناك، فالمهم أن الملك عبدالعزيز دعى لها وعرف ما تكن له من إحترام وإجلال، وليس هذا قاصر عليها، بل هو شامل وعام لكل أفراد هذه البلد العظيم، التي أصبحت مضرب المثل والحمدلله في الأمن والأمان والاستقرار وتحكيم بشرع الله وتسير في حكمها على هدي الوحي، ونور العقل، ونستطيع أن نصفها بحق، بأنها دولة العلم والإيمان ، بارك الله فيها، وبارك في القائمين على الأمر فيها .
وكيل المرأة في المحكمة:
روى معالي الدكتور محمود سفر وزير الحج الأسبق رواية سمعها من جدته لأبيه واسمها فاطمة بنت عبدالله الشافعي، من ثقيف الطائف وكانت في الطائف عندما حدثت معركة الطائف وتوفى فيها زوجها فخرجت إلى مكة بصحبة والدها هي وأبنائها وقد روت هذه القصة لحفيدها الدكتور محمود سفر لأنها قصة تدل على عظمة الملك عبدالعزيز وعلى حكمته وعلى حلمه وعلى تواضعه، فعندما جاءت هذه المرأة إلى مكة وجدت من أقارب زوجها من استولى على ممتلكاتها وأصدر من المحكمة حكماً يقضي بملكيتهم لها فانزعجت، فقيل لها هنالك حاكم جديد لمكة اذهبي إليه فقالت أين هو ؟ فقالوا لها في قصر السقاف فذهبت مشياً إلى هناك والملك عبدالعزيز خارجاً من القصر فصارت تصرخ يا عبدالعزيز يا عبدالعزيز بلهجتها البدوية العفوية التي فيها حدة وهذا يدل على حرقتها وقهرها فرآها الملك عبدالعزيز عندما حاول الآخرون أن يمنعهوها من أن تصل إليه وقال لهم “كبوها كبوها” أي اتركوها فاقتربت منه وقالت له لقد نزلت مكة ورأيت أن أملاكي وقاضياً من قضاتك الذين وضعتهم في المحكمة حكم بالظلم فطلب الملك عبدالعزيز من بن جميعه فقال له اكتب إلى القاضي الفلاني أني وكيل هذه المرأة شرعاً أمامك .
المصدر : فيلم وثائقي عن الأمسية الثقافية في مكة المكرمة، التي قدمتها جامعة أم القرى عن حياة الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه- في يوم السبت الموافق ٢١/ ٣ / ١٤٢٩هـ والتي تحدث فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظه الله- عندما كان أميراً لمدينة الرياض ورئيساً لمجلس دارة الملك عبدالعزيز.
مستشار أسري واجتماعي
بمستشفى الملك فيصل بمكة المكرمة
عبدالرحمن حسن جان
ماجستير خدمة اجتماعية
للتواصل مع الكاتب:
Abdulrahmanhjan@gmail.com