عندما يواجه البعض (كيان/فرد) مشكلة ما، وحينما يشعر بأن هناك أزمة تلوح في الأفق، فإن (أول حل) يتبادر إلى ذهنه هو محاولة توجيه اللوم إلى (شخص) آخر. هذا الأسلوب (لوم الآخرين) يعتبره البعض نوعًا من (حذاقة الإدارة)، ويرى أن تحويل مسار الأمور سوف يلفت الانتباه (عن المشكلة) إلى مواضيع أخرى بغض النظر عن (كبش الفداء) لهذا التحويل!
هذه المقدمة أسوقها لتوضيح سهولة التنصل من تحمل المسؤولية بإلقاء تهمة التقصير على الآخرين! وهذا ما قامت به إحدى الأمانات بعد تفاقم مشكلة مواقف السيارات داخل الأحياء السكنية؛ حيث قال المتحدث الرسمي فيها: “عدم أحقية أصحاب المنازل بإغلاق المنطقة المحاذية لها لمنع إيقاف السيارات كون الشارع حقًا عامًا وليس في حدود ملكيته، وقال: تطبّق المادة ٣/٣٩ من جدول المخالفات والجزاءات البلدية التي تنص على أن أي مخالفة لأنظمة واشتراطات الطرق والشوارع لم تحدد لها عقوبة بقيمة ٣٠٠٠ ريال، مضيفًا أن العقوبة ترفق بقرار تصحيح المخالفة بإزالة الحواجز التي تم وضعها.” انتهى تصريحه -حفظه الله-.
مشكلة (المواقف داخل الأحياء السكنية وأمام المنازل) ليست جديدة على المجتمع، لكنها نمت وأصبحت ظاهرة مزعجة جدًا (وتحدث بسببها مشاكل أكبر)؛ حيث ازداد عدد المركبات داخل الأسرة الواحدة؛ إضافة لانتشار تطبيقات التوصيل للمنازل، وما يترتب عليها من كثرة السيارات الواقفة أمام المحلات التجارية والشوارع المجاورة لها.
كنت أرجو من البلدية وقبل التهديد بالغرامة أن تعقد (جلسات عمل) مع عدة جهات رسمية لمناقشة العديد من الأسئلة ومنها:
هل استيقظ المواطن من نومه وقرر وضع حواجز (سلسلة – قمع – لوحة – حجر كبير…) ليمنع الناس من الوقوف والانتظار أمام بيته؟ هل المواطن هو المسؤول عن منح الرخص لهذا الكم الهائل من (المطاعم والمقاهي والبنوك والمحلات التجارية على اختلاف نشاطها) دون الأخذ في الاعتبار لمساحة الشوارع التي تطل عليها تلك المنشآت التجارية؟ هل المواطن لديه صلاحية إصدار تصاريح بناء المباني الشاهقة والمتعددة الأدوار وهل لديه القدرة النظامية حتى (يجبر) المالك على تأمين (موقفين على الأقل لكل شقة)؟ هل المواطن هو من سمح لصاحب المخطط بتقسيم مخططه وتصميم بعض شوارعه و(حشر) المنازل جنبًا إلى جنب دون اعتبار لعدد السكان والسيارات؟ هل المواطن يملك القرار كي يحدد داخل المخطط مناطق الخدمات (مطعم ومقهى مغسلة بقالة …)؟ هل المواطن هو من تسبب في أن تتحول شوارعنا إلى بقالة لكل مبنى ومقهى لكل مواطن؟ هل المواطن هو الجهة المسؤولة عن تنظيم عمل شركات التوصيل، وتحديد معايير الأداء التي تبين الزمن المتوقع لكل منشأة (مطعم – مقهى …)؛ لتجهيز (الطلبات/الساعة) حتى لا تقبل أكبر من قدرتها مما يترتب عليه انتظار سيارات التوصيل والعملاء؟
إن برنامج جودة الحياة (أحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030 ) يُعنى بتحسين جودة حياة الفرد والأسرة من خلال تهيئة البيئة اللازمة للمعيشة وممارسة الأنشطة المتنوعة، والحياة العصرية تعتمد على الإنترنت بشكل كبير، فهل درست البلدية والجهات المختصة الأخرى بالتنسيق مع شركات الاتصالات أثر هذا الكم الهائل من التصاريح للمنشآت التجارية (مطعم – مقهى …) والحركة الجديدة المتوقعة من رواد تلك المنشآت على محطات ومقاسم الاتصالات وسرعة الإنترنت وجودة المكالمات؟ هل تم عرض تصاميم الشوارع على الدفاع المدني وغيره من الجهات الأمنية (الدوريات/الإسعاف/…) لتحديد انسيابية الحركة للوصول إلى الوحدات السكنية عند الحاجة لا سمح الله؟ وهل درست البلدية إمكانية توفير المواقف الآلية الجاهزة داخل الأحياء وأماكن التسوق المزدحمة؟
أسئلة كثيرة لا يستوعبها مقال، اختصرتها البلدية مستعينة بحكمة شعبية قديمة (لا تحرك! تبلش)
خاتمة:
القادة الحقيقيون يواجهون الأزمات ولا يتهربون منها، يفكرون في المستقبل ويخططون له بما في ذلك الاستعداد للأزمات المتوقعة، وكيفية تجنبها دون القاء اللوم على الآخرين، ولا ينتظرون وقوع (البلاء) لمناقشة الحلول.