المقالات

الكتابة سجادة صلاتنا حين يكفر بنا المحيطون

الكتابة، قبل كل شيء وبعده أيضًا، فعلٌ إنساني جميل وممتع إلى أبعد حد، يُمارَسُ بُغية البوح بما في الأعماق، إن كان مؤلمًا أو مبهجًا، ووضْعه على الأوراق، في انتظار آخر يلتقيه فيقرأه ويتفاعل معه. وفي ظني أن الكتابة ما هي إلا نوع من الفضفضة الحرة المتحررة، التي يلجأ إليها الكاتب، أيًّا مَن كان وأينما كان، كي لا يقاطعه أحد أثناء فضفضته. ولأن البعض أدرك مؤخرًا هذه الحقيقة، فقد بدأت تتلاشى، أو كادت، الحدود الفاصلة بين الأجناس الإبداعية / الكتابية، درجة أن بعض الكتابات يبدو صعبًا على كثيرين تجنيسها أو تصنيفها إلى شعر أو نثر، إلى قصة أو خاطرة. ورغم وجود هذا المناخ الذي يسمح للكاتب أن يكتب ما يشاء، طالما أنه لم يُجنّس ما يكتب، نجد من يُسمي كتابته شِعرًا وهي غير ذلك، ونجد من يطلق على كتابته أنها قصة وهي أبعد ما تكون عن فن القص، ولو أن هذا وذاك كانا قد تركا مسألة التصنيف، وتركا كتابتهما دون أن يحشراها تحت مظلة جنس أدبي بعيْنه لكان أفضل لهما. وقد صدرت أعمال كثيرة في السنوات الأخيرة تحمل اسم الشعر، وهي إلى القصة أقرب، وأعمال تحمل اسم القصة، وهي قصيدة نثر بامتياز.
ما أود أن أقوله هنا، أو بالأحرى ما أود أن أفضفض به، هو أن الكتابة نعمة من الخالق، وهبنا إياها واختصنا بها، لنعالج بها همومنا وأحزاننا، ونتخذها جسرًا لنعبر أوجاعنا وجراحنا التي تتسبب لنا فيها الحياة، ويضعنا بعضهم في خنادقها دون جريرة منا.
وإذا ما خُيرت بين النعم التي أنعم الله بها عليّ لاخترتُ استبقاء نعمة الكتابة أولًا ثم تأتي بعدها بقية النعم، لما للكتابة من أهمية في حياتي التي ربما كانت قد اختلفت تمامًا لو لم أصبح واحدًا ممن اصطفاهم الله وجعلهم من أصحاب القلم، فالحياة فعليًّا مختلفة دون كتابة، الكتابة التي نعتبرها وسائل للترويح عن النفس، وأنابيب لتنفيس ما يجثم على صدورنا ويجعلها أضيق من سَمّ الخياط، الكتابة التي هي بمثابة الوردة التي نقدمها لأنفسنا لنجبر بخاطرها حين نراها حزينة، وهي الطبطبة التي نحنو بها عليها وقت أن تقسو علينا الحياة بكل تفاصيلها.
الكتابة هي محرابنا الذي نعتكف فيه منعزلين عن الجميع، حين لا نجد من يفهمنا أو يليق بنا، وهي سجادة صلاتنا حين يكفر بنا المحيطون بنا، وهي الطمأنينة التي نهديها لأنفسنا حين يحاول الآخرون إفزاعنا، وفي الأخير هي الجنة حين يتحول كل ما حولنا إلى سعير أبدي.
فلنكتب دون أن نشغل أنفسنا بالتصنيف، فلنكتب ساعين إلى كتابة جميلة وممتعة، تُسعد كل من يقرأها، ويا سلام لو انتزعت منه آهة إعجاب قائلًا: الله!

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button