تشهد مؤتمراتنا التعليمية وندواتنا الفكرية ومنابرنا الثقافية ووسائل الإعلام الجديد منذ وقت ليس بالقصير بإثارة إخفاق المناهج التعليمية، وبمستويات متعددة من خبراء تربويين، ورؤى مفكرين، ودراسات أكاديميين وآراء كتاب ومثقفين أن مناهجنا بشتى مراحلها تتسم بكثافة التلقين معتمدة بصفة أساسية على حشو الحقيبة الذهنية للطالب خلال دراسته بمعلومات ومعارف وجب حفظها دون استخدام العقل المؤمن بالاستنتاج المنطقي والتحليل التفكيري والنقد الإبداعي أو دون تشجيعه على المعرفة والفكر من خلال الاحتكاك بالواقع المعاصر لحل مشكلاته بموضوعية، والاطلاع على تضاريس المعلومة وفضاءات المعرفة، واكتساب الثقافة عن العالم والمجتمع الذي يعيش فيه، وارتبط المنهج بالتلقين السلطوي والترديد الممل، وتقبل كل ما تُمليه سلطة المعلم؛ فالأغلبية غير مؤهلة أكاديميًا والتدريب مهنيًا.
كما أنه من أهم خصائصه تكريس الأمية الثقافية وإلغاء ومضة العقل وإشراق التفكير؛ فيجب علينا لتحقيق الأهداف المنشودة والغايات العظمى الاستمرار بالمكاشفة والمواجهة الصريحة وسكب الملح على الجرح ووضع النقاط على الحروف للتعليم ومناهجه؛ فلقد تحولت إلى مادة إخبارية أو معلوماتية قائمة بذاتها بلا زمان ولا مكان ولم يرافق هذا الفيض الإخباري الذي ترصده مناهجنا أي تغيير أو تطوير أو تحديث للعقل؛ فعلينا أن نتخذ القرارات الجريئة والخروج من هذه الأزمة الخانقة، وتصحيح مسار المناهج والمنظومة المعرفية، وتنقيح وفلترة موادها وإعطائها ثوبًا معاصرة علميًا، والخروج من دوائر الحفظ والتلقين، والترديد إلى مناخات أوسع وأعمق يتنامى فيها الفهم والإدراك، واستنطاق النصوص والتحليل والاستنتاج، وأن تمتزج مناهجنا بالانفتاح والتسامح الفكري والاجتماعي بعيدًا عن الانغلاق والتحجر والجمود والتطرف.
فمناهجنا الإسلامية تحث وتدعو إلى إطلاق سلطان العقل من قيوده وفك وثاقه من كل تقليد كان استعبده وإعادته لمنبعه الصافي الزلال لترتوي تضاريسه العلمية والفكرية في المجتمع مناديًا على الإرادة التربوية المستقلة واستقلال الرأي والفكر ومزودًا رسل المعرفة بسلاح التجديد والتطوير؛ ليتم التغيير ويتحقق التنوير.
ومضة ثرية:
أفلا يعقلون ..تكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر؛ فالله زودكم بعقول وينبغي أن تستخدموها.