أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن “هانس غروندبرغ” فشل التوصل إلى اتفاق بتمديد الهدنة في اليمن التي تنتهي الهدنة السابقة في 2/10/2022، والتي بدأت في 2 أبريل 2022، وكانت فرصة تاريخية حقيقية لليمن، وقدم المبعوث مقترحًا لتمديد الهدنة ستة أشهر إضافية مع إضافة عناصر أخرى إضافية، تضمن دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وفتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء، ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة دون عوائق، وتعزيز آليات خفض التصعيد من خلال لجنة التنسيق العسكرية والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين، وقضايا اقتصادية أوسع، بما في ذلك الخدمات العامة.
ثمن المبعوث موقف الحكومة اليمنية للتعامل مع مقترحه بشكل إيجابي، ما يعني أن الحوثي كان متعنتًا في مواقفه، وأعلن المبعوث إلى أنه سيستمر في العمل مع كلا الجانبين لمحاولة إيجاد حلول، لكن السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجي قال: إنني قلق من عدم إحراز تقدم في تأمين تمديد الهدنة، خصوصًا وأن المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحي سريع في تويتر قال قد نعود مجددًا فأبقوا معنا.
تمديد الهدنة في 2 أبريل 2022 أوقع مليشيات الحوثي في جب أكاذيبها، وجعلها بمرمى غضب أتباعها في سقطات تبتلع أوهامها بعد أن وقعت على الهدنة بنفس الشروط السابقة بعدما كانت تتمسك بشروط تعجيزية منها صرف الحكومة الشرعية مرتبات الموظفين في مناطقها من المقاتلين في صفوفها، ووضعت مطالب تعسفية تتعلق بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة دون رقابة، ووقعت في مأزق عندما لم تنجح في انتزاع اعتراف بالانقلاب وبالمليشيات الحوثية كحاكم في شمال اليمن، كل ذلك من أجل إيران التي كانت هناك مفاوضات جارية مع الغرب حول النووي الإيراني.
لكن في المقابل أتاحت الهدنة للشريك في شمال اليمن في المجلس الرئاسي الذي يمثل مأرب والمخا وتعز والمجلس الوطني وقوات المقاومة ترتيب علاقتها بالجنوب والتوافق معه بعدما كان الحوثي يلعب على هذا الوتر من أجل تحييد الجنوب الذي يصب في تقسيم اليمن، بينما تشكيل دول التحالف بقيادة السعودية المجلس الرئاسي الذي جمع القوى الكبرى على الأرض، والتوافق معه في الملفات العسكرية والأمنية كقوة موحدة يمكنها أن تواجه الحوثي ليس كما قبل تشكيل المجلس عندما كانت القوى الشمالية بمفردها دون إسناد من الجنوب في مواجهة الحوثي.
هذه التحولات التي جعلت ناشطًا حوثيًا يدعى جمال وجيه يرد على ناطق المليشيات قائلًا: إن الشعب يعرف من وافق ومدد الهدنة، وبالتالي عليكم صرف المرتبات وخفض الأسعار والجبايات والرسوم في المدارس والجامعات، وعليكم تحمل كامل المسؤولية.
ما يعني أن الحوثي في مأزق أمام أتباعه بل وانكشف واستطاع التحالف بقيادة السعودية استدراج الحوثي لحتفه، وكشفه أمام اتباعه قبل الشعب اليمني في إدارة الدولة والإنفاق عليها بسبب أن زمن الحرب يطالب الحوثي أتباعه بالتعبئة والدعم، لكن في زمن السلم؛ فهو مطالب بتحمل تبعيات إدارة الدولة والصرف عليها، وهو ما جعله يصر هذه المرة على ملاعبة دول التحالف والضغط عليها للحصول على مكاسب أكبر خصوصًا وأن الهدنة مدتها ستة أشهر.
لكن الوقت ليس في صالحه، وقراءته للمشهد الدولي قاصر، خصوصًا وأن المجتمع الدولي كان يعتبر اليمن خنجرًا في خاصرة السعودية، فكان يقدم كافة أنواع الدعم للحوثي، لكن بعد الحرب الروسية في أوكرانيا تغيَّر المشهد الدولي، عندما وجد الغرب أن السعودية هي من تمتلك مفاتيح الطاقة، خصوصًا بعدما فشل تحقق الاتفاق النووي من أجل حصول أوروبا على الغاز الإيراني كبديل للغاز الروسي، اضطر بايدن لزيارة السعودية، وكذلك المستشار الألماني، ولن يعارض المجتمع الدولي تحقيق مطالب التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية خصوصًا وأن إيران تشهد احتجاجات عارمة قد تطيح بحكومة الملالي.
تعمل الحكومة اليمينة انطلاقًا من حرصها وبذلها كافة الجهود الرامية للتخفيف من المعاناة الإنسانية لجميع أبناء الشعب اليمني في كل المحافظات دون أي تمييز، وتهدف من الهدنة إيقاف نزيف الدم اليمني الذي تزهقه المليشيات الحوثية، وتستخدم الأطفال كوقود في حربها العبثية، وفي نفس الوقت ضمان حرية حركة المدنيين والسلع التجارية والمساعدات الإنسانية، ومن خلال تجديد الهدنة توسيع الفوائد لجميع المدنيين، وتسهيل حركتهم وضمان دفع الرواتب للتخفيف من معاناتهم الإنسانية التي تسبب بها انقلاب المليشيات الحوثية.
رغم تخلف الحوثي عن رفع الحصار عن تعز، والانتهاكات اليومية للهدنة، ووقف نهب إيرادات موانئ الحديدة التي يجب تسخيرها لدفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات، وفقًا لكشوفات الرواتب في عام 2014، وحاولت الحكومة اليمينة في إبداء جميع أشكال المرونة والتعاون مع المبعوث الخاص لتجاوز العقبات التي تختلقها المليشيات الحوثية.
هدف الحكومة اليمينة السعي نحو تحقيق السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالشأن اليمني، وعلى رأسها القرار 2216.
وكان أول رد دولي على تعنت الحوثي تجاه تمديد الهدنة ستة أشهر جديدة قال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي: إن الحوثيين مستمرون في تهديد سير المفاوضات وحرمان اليمنيين من مستقبل سلمي، ورحب بالتزام الحكومة اليمينة المعترف بها دوليًا بتمديد الهدنة.
من المؤكد أن تعنت الحوثي بعد تعثر الاتفاق النووي لم تعطِ إيران إشارة للحوثي الموافقة على الهدنة التي لم يعد لديها مصلحة، كما ليس للولايات المتحدة مصلحة في التعايش مع إيران في اليمن من أجل الاتفاق النووي، وهو ما يُمثل نجاح دبلوماسي سعودي، خصوصًا وأن السعودية تتجه نحو بناء جيش يمني وطني بعدما تم القضاء على الجيش اليمني بعدما دخل الحوثي صنعاء في 21 سبتمبر 2014 على غرار تفكيك بول بريمر الجيش العراقي عام 2003؛ بحجة أن السنة تهيمن على الجيش، ليس هذا فحسب بل عن الجيش اليمني أصبح موحدًا وأقوى مما كان عليه من قبل، وكذلك السعودية أصبحت لديها قدرات دفاعية وهجومية يمكن تحييد الحوثي إذا ما أراد العودة للهجمات على السعودية، فأصبح الحوثي محاصرًا من الداخل والخارج، رغم ذلك يحرص التحالف بقيادة السعودية والحكومة الشرعية اليمنية تفادي أي حروب قادمة.
د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب
Dr_mahboob1@hotmail.com