ومِن قدر المُعلِّم المُربي أن يكدح سَنةً، ويُذكَر يوماً..
حالُهُ جِدّ ومصابرة، ودأب ومثابرة.
يستيقظ بغَلَسٍ، إذ هو أبٌ، عنده أولاد يقوم بإيصالهم لمدارسهم.
ويُبكِّر في حضوره لمدرسته، فاليوم عليه إشرافٌ يومي، يستلزم وقوفه في باب المدرسة قبل وأثناء الاصطفاف الصباحي.. وأثناء دخول الطلاب والخروج..
ولديه قبل ذلك، غرسٌ يتعهّده أثناء الاصطفاف الصباحي، يرقب الإذاعة التي تابع طلابَه في إعدادها، والتدريب على تقديمها..
ولديه جهازه المحمول وجهاز العرض، اللذان اشتراهما، ومعهما تلك (الوصلة) التي تربطهما، وقد طلبها من ذلك الموقع..
ولديه تلك (التوصيلة الكهربائية) التي ملأتْ عليه حقيبته.
وبين تلك الجيوب تجد أقلام السبورة، والممحاة، وبطاقات التعزيز، وشيئاً من المعززات (حلوى أو ريالات) يرسُم بها الابتسامة على محيا طلابه، ويُجدّد فيهم النشاط، ويدفعهم نحو المشاركة الفاعلة.. وكل ذلك يحتاج منه وقتاً وجهداً..
تنتهي الحصة الثانية وتبدأ الثالثة التي تليها (فسحة الإفطار) حيث تبدأ عنده رحلة جديدة، يتفقّد فيها بعض طلابه.. ويطمئن على تناولهم الإفطار وحصولهم على الوجبة كبقية زملائهم..
وفي الفسحة عليه إشراف يومي، يجول ويصول أرجاء المدرسة، وأفنيتها، وأروقتها..
وكان نظرُه للحصة الرابعة، إذ هي حصة يجمع فيها شتات أمره، ويعِدّ للحصص التي تليها، الخامسة والسادسة.. وإذ بالموظف الإداري يُخبره بأن لديه حصة انتظار، فيُعِيد توجيهَه إلى حُجرةٍ في الدور الثالث..
يرقى سريعاً، يدخُل على الطلاب، وهي فرصة يراها مواتية؛ ليتحدّث فيها معهم عن ميولهم وتوجهاتهم العلمية، وهل رسم كل طالب منهم له هدفاً مستقبليًّا يسعى لتحقيقه، ويُذكِّرهم بدور الإذاعة في اكتشاف المواهب، وإظهارها، ونفعِ الطلاب بما يُعِدّونه من فقرات يُنبغي أن يُنصِت لها الجميعُ..
وفي تلك الأثناء يرِن الجرسُ، فيتهيأ للخروج؛ وفي غمرة الحديث يُصِر عليه الطلاب أن يستكمل معهم الحديثَ؛ فيخرُج وقد ظَفَرُوا منه على وعدٍ بيومٍ آخر يُكمِل فيه الحديث، حتى ولو كان بعد عامٍ!
يتّجه إلى الدرج والدور الأرضي حيث حُجرة الصف أقرب للدرج من حُجرة المعلمين (تلك التي تَئنّ، ويُأنّ فيها)..
يُسلّم على طلابه، ويستأذنهم في اصطحاب حقيبته، ويعود إليهم؛ ليكمل تلك الرحلة التي لم تَشهَد توقّفاً منذ الغلس وحتى بعد الظهر لهذا المثابر..
وفي وقت صلاة الظهر، هناك إشراف ورعاية، وتنظيم، يتصدى لهذه المهمة والمسؤولية هذا المعلم/ـة.
وبعد انصرافه من المدرسة عليه أن يجمع أولاده من مدارسهم، وأمامه إلى البيت ساعةً ورُبع الساعة؛ ليدخُله في الساعة..
وهناك آثَرَ غَفوةً عن وجبةٍ..
تلك رحلة يسيرة جرتْ أحداثها وتجري كل يوم في مدارسنا، أبطالها معلمون ومعلمات، مُربّون ومربيات، فُضلاء وفضليات..
دأبٌ يومي، غدَا مُعتاداً وحِراكاً مألوفاً..
كدحوا سَنةً كاملة، ليأتي هذا اليوم؛ ويرى أن ذِكرهم يوماً من بين ستة وستين وثلاث مئة يومٍ هو تأكيدٌ على دورهم، وتنبيه على مهامهم، وإعلام بفضلهم..
المعلم والمعلمة بُنى تربوية، ومرتكزات تنموية، وروافد ثرية، كان ولازال الاعتماد عليهما، والاطمئنان لدورهما..
إن الوفاء للمعلم والمعلمة خُلق جميل، وتربية فاضلة، وإحسان يُجازي إحساناً..
في يوم المعلم.. هبّت المدارسُ احتفاءً بمَن أضاء فيها مصابيح المعرفة، وكشف ظلام الجهل، وقشع قتر الأُميّة..
وعلى أعتاقهم -وبكل فخر- سيرفعون راية الوطن عالياً، كما كان، وسيظل غالياً..
ليس عيباً أن نحتفي بأنفسنا، بل تقتضي التربية أن نزرع في الجيل أن الوفاء خُلق العظماء، وأن المعلم والمعلمة حاجة تربوية للنماء والعطاء، وبين الوفاء والحاجة تتجلّى بعضُ آثار التربية.
فهل سنرى الشركات والمؤسسات تَردّ للمعلم والمعلمة لمسةً من لمسات عطائهم؛ أو وقفةً من وقفات وفائهم؟