المقالات

راعي الزين الوكادي

لماذا الشاعر أحمد بن جبران -يرحمه الله- أنيق في اختيار كلمات قصائده؟ وكأنه الجواهري الذي يحسن اختيار الجواهر في صنع عقد ثمين، أو النحات البارع الذي ينجز منحوته بدقة متناهية، أو الرسام المبدع الذي يتقن اختيار الألوان؛ ليقدم لوحة فنية فارهة تشد أهداب العيون وتسر من يراها، هذا السؤال الذي وددت طرحه على القارئ الكريم؛ لنشترك سويًا في التغلغل في أعماق الشاعر، وتذوق مفردات كلماته والتعمق في معانيها ودلالاتها اللفظية والجمالية ربما الطابع الغزلي يغلب على قصائد شاعرنا.. ربما البيئة الجغرافية التي عاش بها والظروف الحياتية في مجتمع قروي بسيط. ربما ألهبت العاطفة الجياشة قريحته؛ فجعلته يسكب رحيق قصائده عطرًا ووردًا إلى هنا ونتوقف أمام قصيـدة اخترتها من كتاب تراثي بعنوان «من الأدب الشعبي بمنطقة الباحة» جمع وإعداد الأستاذ عبدالله بن أحمد المالحي والقصيدة هي:

ازفر لمن خذله من الريحان الأخضر

ولباب المحلب أكثر

واستاد مالبرك القطيف وعذق كادي

راعي الزين الوكادي

مليح الخدين والخصر السهيف

راعي الوجه النظيف

والى التهمنا مدة يمينه بفنجال

ظلا عنا النوم ينجال

والشربه من كفه من الماء الزلالي

زادت في عمري وحالي

يارب تجبر بيننا واستر وثبنا

استهل الشاعر قصيدته بكلمة ـ ازفر ـ والزفير عكس الشهيق، وهو خروج الهواء من الصـدر لماذا لأن الشـاعـر متيم بلـواعج الحب، هذا الحب الذي يصنع الـشـاعـر وابن جبران يقف مبهورًا أمام تلك الحسناء ذات الجمال الأخاذ، والتي زاد حسنها حسنًا بالشذا الفواح المنبعث من الرياحين والكادي والبرك، وهي نباتات عطرية تنمو في منطقة الباحة، ارتباط جـمـالي بين مليحة الخدين ذات الخصر النحيل والوجـه النضير وبين الريحان والكادي والبرك التي تضوع الأجواء عطرًا مخمليًا إلا أن تلك الحسناء لا تأهبـه بالمشبـب فيـهـا «ابن جبران»، وعندما تُقدم له فنجان القهوة يظل الشاعر العاشق سهران الليل يناجي النجوم المتلألئة والقمر الزاهي الذي يرمي بأشعته للعشاق فيما ينعم الجميع بنوم هادئ.. لماذا أيها الحب تؤرق عيون المحبين؟ يعـود الشاعر، ويستدرك بأن تلك الشربة الهانئة والمقدمة من كف حبيبته سـوف تجدد حياته التي أضناها السهر والأرق، ليدعو الشاعر ربه بأن تكون الحسناء من نصيبه مع طلب الستر والثواب.

مفردات
1 ـ لباب المحلب: نبات عطري جبلي.
2 ـ استاد: أخذ منه المزيد.
3 ـ البرك: نبات عطري.
4 ـ كادي: نبات عطري ذو رائحة زكية، وينبت في تهامة.
5 ـ الوكادي: الأكيد.
6 ـ السهيف: النحيل.
7 ـ النظيف: يقصد الجميل.
8 ـ ينجال: يزول.
9- وثبنا: يطلب الثواب من الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى