قال صاحبي: أصبح بحق مالئ الدنيا وشاغل الناس، إنه النفط يا سادة، بعد قرار منظمة أوبك بلس خفض إنتاجها لما يقرب من مليوني برميل بدءًا من شهر نوفمبر 2022 شهدت الساحة السياسية والإعلامية سجالات متعددة بين المنتجين والمستهلكين، وكانت السعودية وحدها في عين العاصفة، وفي مرمى الإعلام الغربي، فهل السعودية وحدها هي من اتخذ قرار خفض الإنتاج، ولماذا السعودية، ما المتوقع خلال الفترة القادمة، وماذا ينتظر العلاقات السعودية الأمريكية، وماذا يجب علينا؟
تحدث الإعلام الغربي كثيرًا بأن أوبك بلس غدرت بواشنطن، وأخذتها على حين غرة، وتطرف البعض بآرائه عندما أكد على وصف القرار بأنه سياسي أكثر منه اقتصادي، وأن السعودية تنحاز لأعداء واشنطن في هذه المرحلة المفصلية من تاريخها، وكان التطرف الأشد من قبل بعض المشرعين الأمريكيين المطالبين بمعاقبة السعودية!.
هذه الآراء المتشنجة تغافلت عن ثلاثة أسباب رئيسة أحدها البُعد الاستراتيجي في العلاقة السعودية الأمريكية، وثانيها البُعد التاريخي، فهذان البُعدان يتغلبان على سعر برميل النفط، الذي وصل قبل عام إلى ما يزيد على مائة وثلاثة وعشرين دولارًا للبرميل، دون أن نسمع من أعدقائنا في الغرب ما سمعناه من التهم والوعيد والتهديد، وثالثة الأثافي التي تجاهل الإعلام الأمريكي الحديث عنها هي أن المشكلة الرئيسة هي الغاز وليس النفط، الغاز الذي باعته واشنطن لحلفائها الغربيين بأربعة أضعاف قيمته!
في عام 2016م اتفقت ثلاثة عشر دولة من أعضاء منظمة أوبك، مع عشر دول أخرى منتجة للنفط من خارج أوبك على التوافق فيما بينها على ضبط كميات الإنتاج من النفط؛ بهدف تحسين الأسعار، فيما ينفع المنتجين والمستهلكين، عرف هذا الاتفاق باسم أوبك بلس، والسعودية إحدى الدول في هذا الاتفاق، فلماذا تم استهدافها دون سواها؟ مع أن لها صوتًا واحدًا كبقية الأعضاء، الذين اتفقوا بالإجماع على خفض إنتاجهم للحفاظ على نزيف الأسعار التي بدأت بالتراجع من مائة وعشرين دولارًا، إلى أربعة وثمانين دولارًا مرشحة للهبوط لما دون سبعين دولارًا للبرميل.
هذه السلعة الحيوية كغيرها من السلع تخضع لآليات السوق وتقلباته، ما بين عرض وطلب، ولكن البعض ينظر للعالم الواسع من نافذته الصغيرة، ولا يرى إلا مصلحته، أليس من حق السعودية البحث عن مصلحتها؟ قبل فترة ليست بالبعيدة واستجابة لمتطلبات السوق زادت السعودية مع بقية دول أوبك إنتاجها من النفط، فهاجم الإعلام الروسي السعودية وحدها دون سواها، ووصفها بالانحياز للغرب ضد موسكو!، واليوم يتكرر ذات السيناريو مع الإعلام الغربي، ولكن بشكل أكثر تجني.
أين العالم بشكل عام، والعالم الغربي بشكل خاص عن ممارسات إيران، وتهديدها بإغلاق مضيق هرمز (رأس السلام) أمام ناقلات النفط؟ وقد فعلت؟! هذا العالم لم يرَ ما قامت به أذرع إيران الإرهابية في مضيق باب المندب، وبالاعتداء على قلب الطاقة في العالم، بطائرات إيران المسيرة وصواريخها التي أطلقت بيد الحوثي، في مقابل ما قامت به السعودية من السيطرة على انفلات الأسعار قبل أن تصل إلى ما يزيد عن مائتي دولار للبرميل، من خلال فتح مخازنها، وعلاج الخلل بوقت قياسي، لم نسمع من يُطالب بمعاقبة إيران، وجعلها دولة منبوذة، وباتخاذ المزيد من الإجراءات ضدها وضد أذرعتها الإرهابية في المنطقة!
والسؤال الذي يفرض نفسه، وينفرد بصدارة التساؤلات التي تكون تبعًا له، هو هل هذه الزيادة لمصلحة روسيا، والإضرار بالغرب؟ القراءة السياسية المتسرعة للقرار تذهب للقول بالإيجاب، ولكن القراءة الواعية المتأنية ترى أن مشكلة الغرب مع روسيا هي الغاز وليس النفط، وأن قرار أوبك بلس قرار اقتصادي بالدرجة الأولى، فقد سبق أن خفضت وزادت إنتاجها دون أن يثر قرارها هذا الصخب المفتعل.
نحن مقبلون على موجة من التحديدات السياسية والإعلامية، هل جهزنا السيناريوهات المتوقعة، هل أعددنا خطابنا الإعلامي والسياسي الموجه للنخب وللرأي العام الغربي، الذي بدأت ماكينة إعلامهم بشحنهم ضد بلانا؟ إنه الاقتصاد يا غبي ثلاث كلمات كان لها وقعها في نفس الناخب الأمريكي الذي اختار بيل كلينتون على بوش الأب الذي حقق جملة من الانتصارات السياسة في الشرق والغرب، لكن يبقى المواطن الأمريكي همه الأول الاقتصاد، قل لي: كم دولارًا يدخل محفظتي أمنحك صوتي؟
وأخيرًا؛ واشنطن التي تعاملت بسلبية مع قرار أوبك بلس، -رغم أن كل حزب وظفه لحساباته الداخلية والخارجية من أجل مصالحه الخاصة-، وبانتهازية مقيتة مع شركائها وأقرب حلفائها الأوروبيين تشير إلى أمرين، أحدهما الشعور بأنها هرمت سياسيًا وبأن القطبية الأحادية إلى زوال، وهذا يقود للنتيجة الأخرى، وهي أنها لم تبقَ لها صديقًا يثق بها!
قلت لصاحبي:
إنه الاقتصاد يا غبي هذه هي اللغة التي يفهمها المواطن الغربي، لتكن هي البداية.