أعجبني موقفُ المملكة العربية السعودية الذي اتَّسم بالحكمةِ والهدوءِ والواقعية والعقلانية إزاءَ النزق الأَمريكي الطائش إِثرَ عدم الإِذعانِ لإِملاءات الولايات المتحدة الأمريكية من أجلِ زيادة إنتاج النفط!! حيثُ بدا الموقف الأمريكي الغاضب أشبهُ بالثور المجروح هائجاً وسط الحلبة يخور ويزمجر!.
القرار سيادة. ولا يمكنُ أن تتحقَّق السيادة بالتدخل في القرار، ولا يمكنُ للقرار أن يخدم السيادة إلا أن يتحلَّى بالشجاعةِ والإِقدام، ولقد فعلت المملكة العربية السعودية ما هو مناسبٌ لها في هذه المرحلة الفاصلة، بيدَ أنَّ خطابها قد تحلَّى بالحكمة والعقلانية من خلالِ مسؤوليها (الدقيقون) و (الكيِّسون) في ردودهم على الأسئلةِ المُثارة؛ نعم القرار بتخفيضِ إنتاج النفط هو قرارٌ محض اقتصادي، ومن شاءَ أن يفسِّرهُ على أنَّه سياسي فذلك شأنه فهو يُريد بالقرار من الأصل أن يخدمه في انتخاباته التشريعية القادمة.
خطاب المملكة وازناً، ومتعقلاً، وراجحاً، فمن ناحية يؤكِّدُ على أهمية العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة بالولايات المتحدة الأمريكية ومن ناحيةٍ أُخرى يرى أن القرار بتخفيض إنتاج النفط ليس قرار المملكة وحدها فهي عضو له صوتٌ واحدٌ، وإنما هو قرار أوبك-بلاس، فهو عائدٌ إذن إلى إجماعٍ من قِبل مجموعةٍ كبيرةٍ من الدول تُراعي مصالحها الإِقتصادية.
على أننا نجدُ في لغة الغطرسة التي يتَّسم بها بعض المطالبين بتقييم العلاقات مع المملكة العربية السعودية والنظر في فرض عقوباتٍ عليها، ما يؤكِّدُ على أَنَّ أمريكا تسعى دائماً إلى فرضِ هيمنتها على الدول -التي تصفها بالحليفة- في سبيل تحقيق مصالحها فقط، ولا يعنيها مصالح غيرها إطلاقاً وتاريخها شاهدٌ على ذلك ولا يحتاجُ من برُهان.
من ينظر في تاريخ السياسة الأمريكية يجدُ أنها سياسة إملاءاتٍ وفرضٍ لا تراعي فيها إلا مصالحها، ومصالح اللوبيات المؤثرةِ عليها وفي مقدمتها منظمة (أيباك) اليهودية، والدول التي يعنيها أمرها وعلى رأسها الكيان الإِسرائيلي المحتل، ولو أنها سياسةٌ تحترمُ سيادة الدول، وتقوم على الإحترام المتبادل لما أثارت النزاعات، ودعمت الثورات، وأشعلت الأوطان، ومرَّغت الشعوب في مستنقعات الشتات، ولما دعمت كياناً مغتصباً، نزع أرضاً، ونكَّل بشعبها الأعزل!
لننظر اليوم في واقع علاقتها بأوروبا التي دفعتها لفرض عقوبات على روسيا على حساب شعوب الدول الأُوروبية بل وعلى حساب الحكومات التي بدأ اليمين المتطرف –والذي كان خامداً فيها- ينسفها من عروشها، فكيف تكافأها أمريكا على طاعتها وإذعانها؟ تبيعُ لها الغاز بأربعة أضعاف قيمته! حتى أن الرئيس الفرنسي ماكرون انتقد أمريكا على ما تمارسه من جشع، ولكن هذا ثمن التبعية للقرار الأمريكي.
هكذا إذن تكافأ أمريكا حلفاءها الذين لا تتعامل معهم بعنجهيةٍ وغطرسةٍ، وهي بذلك تدفعهم بعيداً عنها بسبب طيشها وحمقها، فهاهو المستشار الألماني شولتس يستعدُّ لزيارة الصين قريباً مصحوباً بوفد كبيرٍ من رجال الأعمال، وهي زيارة تعدُّ ضربة موجعةً لأمريكا، مما ينبِّأُ على أنَّ عصر القطبية الأحادية قد بدأ يتلاشى تدريجياً، وقد يذوبُ مع ذوبان الثلوج في نهاية الشتاء القارس جداً، وأن على أمريكا – كما طالبتها روسيا – أن تؤمن بتعدد الأقطاب وإلا وجدت نفسها معزولةً عن من كانت (تدَّعي) أنهم حلفاؤها بالأمس!!.
• كاتب وشاعر وإعلامي عُماني
مقال جميل يا استاذ 👍